للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حفاظ الشريعة على الضرورات الخمس]

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فإن من حق هذه الشريعة علينا -يا عباد الله- أن نفهمها، ومن فهمها معرفة مقاصدها، ومن مقاصدها حفظ الضروريات التي جاءت بها الشريعة لصلاح الناس في معاشهم ومعادهم، حفظ الضروريات الخمس، وهي: (الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسب) التي لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت؛ لم تستقم مصالح الدنيا، بل تصير إلى فساد وتهارج، وكذلك تفوت الحياة الأخروية بفوات النجاة والنعيم، وحصول الخسران المبين نتيجة اختلال حفظ هذه الضروريات.

لقد ذكرها ربنا وأشار إليها كما في آيات الوصايا العشر، وهي ثلاث آيات في سورة الأنعام المبدوءة بقوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} [الأنعام:١٥١]، ثم قال سبحانه: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام:١٥١]، ثم قال سبحانه: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} [الأنعام:١٥٢].

هذه الآيات فيها إشارة إلى العناية بالضروريات؛ ففي حفظ الدين قوله عز وجل: {أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [الأنعام:١٥١]، وفي قوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:١٥٣]، وحفظ النفس في قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} [الأنعام:١٥١] وفي قوله: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام:١٥١]، وحفظ النسل في قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام:١٥١]، وفي حفظ المال قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام:١٥٢]، وفي قوله: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} [الأنعام:١٥٢]، وحفظ العقل لا يمكن قيام الأمور الأخرى إلا به، فلا يقوم بها فاسد العقل، فحصلت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام:١٥١].

وقد جاءت آيات أخرى فيها ذكر هذه الضروريات التي لا بد من حفظها، وأشارت الشريعة إلى ذلك في أحكام كثيرة في القرآن والسنة.