للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أفضل الأعمال بعد الفرائض]

بهذا انتهى الجزء الأهم والأعم والأشمل من الوصية، ثم انتقل بعد ذلك للجواب على جزئية وردت في السؤال.

الجزئية الثانية التي وردت في السؤال هي عن أفضل الأعمال بعد الفرائض، كأن السائل يقول: الفرائض أنا أعرفها، وأنت عالم، وأنا وقتي وعمري محدود، دلني على عمل بعد الفرائض أعمله، فأنت عالم حجة، فأنا سوف أستفتيك في عمري هذا بعد الفرائض في أي شيء أقضيه؟ قال: (وأما ما سألت عنه من أفضل الأعمال بعد الفرائض، فإنه يختلف باختلاف الناس فيما يقدرون عليه وما يناسب أوقاتهم) لاحظ الكلام ففيه حكمة بالغة؛ لأنه يُراعي ظروف الناس.

فهناك من هو طالب، أو تاجر، أو موظف، ومن وظيفته قصيرة كمدرس، ومن وظيفته طويلة كموظف في شركة، ومن لديه نوبات، أو عاطل عن العمل، فالناس يختلفون، وهناك من ترك له أبوه إرثاً وعقارات، فلا يحتاج أن يعمل، فأفضل شيء بالنسبة لكل واحد يختلف باختلاف أحوال الناس وأوقاتهم، وهذه أوقات وقد ذكرنا أمثلة.

أما أحوالهم فهذا مثلاً عنده علم والنفس لا تشبع من العلم نهمة، وهذا عنده جلد وصبر على القراءة، وهذا عنده فهم وقوة وحافظة وقدرة على التعليم، فما أنفع شيء بالنسبة له، أن يعلِّم ويتعلم.

وهناك من عنده قدرة في التخطيط للقتال وخبرة في المعارك والسلاح، فهذا الأنفع له أن يعاون المسلمين مثلاً في الجهاد.

وآخر عنده صبر على الأذى وجرأة في الحق وقوة في الدين وحسن أسلوب، يشتغل في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويركز عليه.

وقد يكون آخر عنده خبرات تفيد المسلمين في مال أو اقتصاد أو تأسيس أعمال خيرية ونحو ذلك.

وهذا عنده خبرة في الأسفار وتعلم اللغات بسرعة، وقد يفيد في أعمال الإغاثة ونحو ذلك.

إذاً أفضل شيء عموماً يختلف باختلاف أحوال الناس، وحتى في العلم، قد يكون واحد عنده قدرة على الخطابة، وآخر عنده قدرة على التأليف، فتقول لهذا الذي يحسن التأليف ألِّف، والذي يحسن الخطابة ألق دروساً ونحو ذلك.

هذا صوته جميل بالإمامة، وهذا موهبته الشعرية يذب عن المسلمين بها وهكذا.

فالمسألة قدرات، والناس قدرات وطاقات، لكن قد يقول واحد مثلاً: أليس هناك شيء جامع أو ورد فضله على جميع الأعمال مثلاً فلفت نظره إلى هذه المسألة.