للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما يدل عليه العلم النافع]

قال رحمه الله: (وغير ذلك من أصول الكفر والفسوق والعصيان كدعوى الإباحة وحلّ محظورات الشرائع، وأدخلوا في هذا الطريق أشياء كثيرة ليست من الدين في شيء، فبعضها زعموا أنه يحصل به ترقيق القلوب كالغناء والرقص).

يقولون: المولد الذي فيه أذكار وغناء ورقص، ويقوم بعضهم يرقصون في المجلس هذا يسبب ويُحدث رقة في القلب.

قال: (وبعضها زعموا أنه يراد لرياضة النفوس، كعشق الصور المحرمة ونظرها) وقالوا: عشق المردان ينقي النفس وفيه شفافيه في الروح ويجعلك تتسامى إلى الملأ هكذا يقولون.

قال: (وبعضها زعموا أنه لكسر النفوس والتواضع، كشهرة اللباس وغير ذلك مما لم تأتِ به الشريعة، وبعضه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، كالغناء والنظر المحرم).

اتخذوا دينهم لعباً ولهواً، فالعلم النافع من هذه العلوم ما انضبط من الكتاب والسنة، وفُهِمَ على حسب الكتاب والسنة، من معاني القرآن والحديث، وكذلك مسائل الحلال والحرام والزهد والرقائق، فهذه كلها من العلم النافع، وينبغي الاجتهاد في تمييز الصحيح من السقيم، ثم الاجتهاد في الوقوف على معاني الشيء الصحيح.

قاعدتان مهمتان جداً لطالب العلم: تمييز الصحيح من السقيم، ثم العكوف والوقوف لمعرفة معاني الصحيح.

قال: (وفي ذلك كفاية لمن عقل، وشغل لمن بالعلم النافع عنى واشتغل، ومن وقف على هذا وأخلص القصد فيه لوجه الله عز وجل، واستعان عليه أعانه وهداه، ووفقه وسدده وفهمه وألهمه، وحينئذٍ يُثمر له هذا العلم ثمرته الخاصة وهي خشية الله عز وجل كما قال عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨].

إذاً: هناك شيء مهم جداً وهو الخشية، وهو رأس العلم، من خشي الله فهو عالم، ومن عصاه فهو جاهل، العلم النافع يدل ويقود إلى أمرين: أولاً: إلى معرفة محبة الله، وما يستحقه سبحانه وتعالى من الأسماء الحسنى والصفات العلا، وإجلاله وإعظامه وخشيته ومحبته ورجائه والتوكل عليه والرضا بقضائه والصبر على بلائه، العلم النافع يُوصل إلى هذا، وإذا لم يصل الإنسان إلى هذا معناه أن هناك مشكلة، إما أنه ليس عنده علم نافع وإما أنه ما عنده إخلاص.

ثانياً: يقود إلى المعرفة بما يحبه الله ويرضاه من الاعتقادات والأعمال الظاهرة والباطنة والأقوال، فعند ذلك يسارع العبد في رضا المولى عز وجل، لأنك إذا عرفت أن هذا حلال، وهذا حرام، وهذا مستحب، وهذا واجب، وهذا مكروه، عرفت ماذا تعمل.

فالعلم النافع يقود إلى هذا، فإذا انساق العبد إلى هذا كان العلم نافعاً ووقر في القلب وخشع قلبه لله، وانكسر له وذل له هيبة وإجلالاً وخشية ومحبة وتعظيماً، وعند ذلك تقنع النفس باليسير من الحلال وتشبع به، فتزهد في الدنيا وفي كل ما هو فانٍ.

وعندما يصل العبد إلى هذه الدرجة يكون قد وصل إلى المرحلة المذكورة في الحديث الإلهي في العلاقة الخاصة بين العبد وربه: (لئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) هذه هي العلاقة الخاصة: (احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) هذه المعرفة الخاصة والعلاقة الخاصة بين العبد والرب.

فيستأنس العبد بذكر ربه في خلوته، ويجد حلاوة لذكره ودعائه ومناجاته وعبادته، ويستوي عنده سره وعلانيته، ويجد حلاوة الطاعة، فمتى وجد العبد هذا عرف أنه قد وصل وحصَّل المقصود.

ولذلك قال بعضهم للفضيل يذكره: أما بينك وبين ربك ما إذا دعوته أجابك؟ أي: هل علاقتك بالله وصلت إلى درجة أنك إذا دعوت الله أجابك؟ فغُشي عليه.

قال: (فالعبد لا يزال يقع في شدائد وكرب في الدنيا وفي البرزخ وفي الموقف).

ليست القضية فقط في الدنيا يقع في كرب، بل في البرزخ وفي الآخرة يقع في كرب، فإذا كان بينه وبين الله علاقة خاصة، كفاه الله ذلك، كربات الدنيا والبرزخ والآخرة، قال: (وهذا هو المشار إليه بوصية النبي صلى الله عليه وسلم لـ ابن عباس: (تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة).

بعض الناس يعرفك في الشدة، أي: إذا غرقت في بحر أو صرت في اضطرار وفقر، لا! ليس هذا فقط، يعرفك في الشدة حتى في شدائد القبر، وفي شدائد المحشر، يعرفك في الشدة.

فالعلم النافع هو ما عرف به العبد ربه، واستدل عليه، وأنس به واستحيا منه، واقترب إليه وخشع له، وهذا علم بحد ذاته، ولذلك جاء في الأثر: (أول ما يرفع من الناس الخشوع).

قال: (قال الحسن رحمه الله: " العلم علمان: فعلم في اللسان، فذاك حجة الله على ابن آدم -أنت تتكلم به فإذا ما طبقت كان حجة عليك- وعلم في القلب: فذاك العلم النافع ").

وكان السلف يقولون: العلماء ثلاثة: ١ - عالم بالله عالم بأمر الله: يخشى الله، ويعرف الله، ويعرف أحكام الله.

٢ - عالم بالله وليس عالم بأمر الله.

يخشى الله لكن لا يعلم الحلال والحرام والأحكام.

٣ - عالم بأمر الله وليس عالم بالله: أي: يعرف الأحكام والفقه، لكن خشية الله لا توجد تقوى غير موجودة, وهذا خطير جداً، لأن هذا الصنف هو الذي يضل الناس، الذي عنده علم وليس عنده تقوى، فيستعمل ما عنده من العلم في إضلال الخلق، ويلقي عليهم الشبهات والأشياء، يحرفهم بها: (إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين).

أما الذي لا عنده علم بالله ولا بأمر الله، فهذا كالحمار يحمل أسفاراً وليس عنده شيء، فالشأن كل الشأن في أن يعرف العبد ربه ويعلم أمره ونهيه، وكان الإمام أحمد رحمه الله يقول: " أصل العلم خشية الله، أصل العلم العلم بالله " هذا العلم النافع يقود إلى خشية الله عز وجل، هذا هو العلم الحقيقي.

أما لو لاحظ الشخص أن علمه يتعلمه ليماري به العلماء، ويجادلهم ويجاريهم في الكلام، ويعرف بعض ما عندهم، ويماري به السفهاء، ويصرف به وجوه الناس إليه، ويريد به شرفاً ومنصباً وذكراً وثناءً، فهذا من أول خلق الله الذين تسعر بهم النار يوم القيامة.