[حفظ عرض الأخ المسلم]
وكذلك -أيها الإخوة- حفظ عرض المسلم، والمحافظة على قيمته وصيانته، من الأمور التي تنتهك الآن غيبة ونميمة سب وشتم انتقاص أشياء كثيرة تقع بسبب عدم استشعار المسلم لحرمة أخيه المسلم، عدم الاستشعار بأن اللحوم مسمومة، قال تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} [الحجرات:١٢] ولذلك ترى في الوقت الذي نحتاج فيه إلى تطبيق قواعد الأخوة في الله، وصيانة إخواننا المسلمين نجد ألسنة الافتراء والكذب والبهتان تنطلق بلا حدود في تجريح الإخوة المسلمين، وبيان عيوبهم ومثالبهم.
إذا كان الكلام عن عيب الأخ في غيبته حرام، فكيف إذا كانت القضية غير موجودة في الأخ، وإنما هي افتراءٌ عليه وبهتانٌ له؟! كيف يكون هذا عند الله عز وجل؟ افتراءات تبرر بتبريرات عجيبة، والإسلام بريءٌ منها، بقصد يتوهم صاحبه أنه حسن، أو يتوهم أن هذه مصلحة، فيبدأ يجرح ويتكلم، ولكن المسألة عند الله عز وجل بخلاف ذلك، كلمة قد تهوي بالإنسان في النار سبعين خريفاً، كلمة واحدة فكيف بشخص منطلق بلا حساب، يكيل التهم والسباب والشتائم والتنقص من إخوانه المسلمين.
وبعض الناس من منظار التعصب -أحياناً- لا يعامل بمبادئ الأخوة في الله إلا من هو على شاكلته، وأما إذا اختلف مع شخصٍ آخر في رأيٍ من الآراء، أو منهجٍ من المناهج، أو طريقة من الطرق، فإنه يعامله بالفظاظة والغلظة والقسوة التي لا تليق بالمسلم أبداً.
الرسول صلى الله عليه وسلم قال () المسلم أخو المسلم) ما دام أنه مسلم لابد أن تؤاخيه وهذه الحواجز التي توضع أحياناً بسبب الخلافات في الآراء يجب أن تزول وألا تكون مانعة من مد جسور الأخوة في الله عز وجل إلى جميع الأخوة المسلمين في جميع أقطار المعمورة فمتى وصلت إليه فهو أخوك المسلم، الأخ المسلم ليس من الجيران فقط، ولا من القرابة فقط، ولا من البلد فقط، ولا ممن هو على شاكلته، يبقى أخي المسلم هو أخي المسلم ما دام أنه من أهل السنة والجماعة، ما دام أنه على العقيدة الصحيحة، مادام أنه يتمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ما دام أنه ليس مبتدعاً ولا ظالماً ولا فاسقاً فهو يبقى أخي في الله عز وجل، بل إنه حتى لو كان فاسقاً فإن ابن تيمية رحمه الله يبين فيقول: وقد يجتمع في المسلم إيمانٌ وفسوق؛ لأن الله عز وجل يقول في القرآن بإيضاح أنه قد يحصل في المؤمن إيمانٌ وشركٌ أصغر، أو إيمانٌ وفسق، لكن لا يجتمع الإيمان مع الشرك الأكبر ولا مع الكفر، فيقول ابن تيمية رحمه الله: وكل إنسانٍ نواليه بحسب ما معه من الإيمان، ونبغضه بحسب ما هو عليه من الفسق.
فنواليه ونعاديه في نفس الوقت، حتى لو كان فاسقاً فإن له حقاً من الموالاة، ولا بد من الموالاة في الله.
فنعود ونقول: إن قصر حقوق الأخوة في الله على طائفة من المسلمين دون الباقي لهو انحراف وقصور في فهم الأخوة التي أمر الله بها، وينبغي -أيها الإخوة- أن تكون هذه قضية واضحة، ينبغي أن تكون هذه المسألة مطبقة في واقعنا وإلا فنحن مقصرون.
فإذاً: أيها الإخوة! هذا الافتراء وهذا البهتان الذي ينطلق أحياناً من بعض ألسنة المسلمين ضد إخوانهم الآخرين، هو من الأشياء التي لا تُرضي الله عز وجل، وصار شعار بعض المسلمين بدلاً من: تعال بنا نؤمن ساعة، صار شعارهم: تعال بنا نغتب ساعة، فتجد المجالس كلها مؤسسة على الغيبة وعلى القدح والانتقاص.
فإذاً: أيها الإخوة! الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، كوني أختلف أنا وأنت في مسألة فقهية، كوني أختلف أنا وأنت في رأي في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -البشر من طبيعتهم الاختلاف- يحصل بيني وبينك اختلاف في الرأي، هذا لا يعني مطلقاً أن أعاديك وأبغضك، أبداً، فإن الصحابة كانت تقع بينهم خلافات.
علي بن أبي طالب وقع بينه وبين بعض الصحابة حروب باجتهادات، ماذا كان يقول علي رضي الله عنه عندما يشتم بعض الذين قاتلوه في المجلس؟ كان ينهى نهياً شديداً عن ذلك، وكان يقول عندما يطلب رأيه فيمن قاتله: [إخواننا بغوا علينا] هو بويع على أنه خليفة، فحصلت اجتهادات من بعض الناس الآخرين، منهم المأجور مرة ومنهم المأجور مرتين، منهم مجتهد مخطئ ومنهم مجتهد مصيب، رضي الله عنهم أجمعين، كان يقول: إخواننا بغوا علينا، ما أخرجهم عن كونهم إخوة أبداً، إخواننا لكن أخطئوا علينا -بغوا علينا- لكن لا زالوا إخواننا، والله عز وجل قال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات:٩] كيف سماهم مؤمنين وهو يقول اقتتلوا؟ ما أخرجهم عن صفة الإيمان، فلذلك هذا الصنف من الناس الذي يشبهه بعض المفكرين المسلمين بالذبابة التي لا تقف إلا على الخبث، وتنقل هذا الخبث من مكان إلى آخر، هؤلاء الذبابيون - إن صحت تسميتهم بذلك- يقفون على الخبث ويتتبعون سقطات الناس وعيوبهم وأخطاءهم وعوراتهم، ثم يجلسون في المجالس ويعيدون ويكررون ما خرجوا به، هؤلاء الناس مثل الذباب لا يقع إلا على الخبائث وينقل هذه الخبائث من مكان إلى آخر:
أنسى عداء المجرمين سياسة وأغيظ أهلي من بذيء سبابي
للظالمين تحيتي ومودتي ولأهل ديني طعنتي وحرابي
هذا جحيمٌ لا يطاق ومنطقٌ يأباه وحشٌ قابعٌ في الغاب
مهما كان أيها الإخوة، المسلمون في العالم إخوة لنا في الله ما داموا على طريقة أهل السنة، والإحساس بأحاسيس الإخوة والشعور بمشاعرهم عبادة عظيمة.
وذكر عن الشيخ محمد رضا رحمه الله تعالى؛ الداعية المعروف، أنه من فرط اهتمامه بأمور المسلمين ومشاكلهم يكون في حالة يذهل فيها عن نفسه، يعني: يسرح أحياناً وهو في هم عظيم، وهو يفكر في واقع المسلمين، وقد حصل له مرة أن أمه اقتحمت عليه خلوته وهو جالس يفكر في وضع المسلمين، فرأته واجباً فقالت له تمازحه باللهجة العامية، وهو في مصر: (هو في مسلم مات اليوم في الصين) أي: مادام أنك مهموم فأكيد اليوم مسلم مات في الصين.
فإذاً: كان الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتنا في هذا، كان يشارك المسلمين آلامهم وآمالهم، كان يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم، وكان يشاركهم.
أيها الإخوة: من المؤسف أن تجد أخاً وقع في مشكلة أو مصيبة وهو مغموم والآخر أمامه ينكت ويضحك، وهذا أمامه الآن مغموم وذاك لا يعطي له أي اعتبار ولا يشاركه في أي شعور من مشاعره، فهذا مما يفصم عرى الأخوة في الله.