للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الموقف الشرعي من المال]

ما هو موقف المؤمن من المال؟ ما هو الموقف الشرعي من المال؟ هل يطلبه الإنسان؟

الجواب

نعم: الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نمشي في مناكبها ونأكل من رزقه، وهذا المشي يعني طلب للمال، هل نحافظ على المال؟ نعم: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} [النساء:٥].

المال بالنسبة للعبد نوعان: نوعٌ يحتاج إليه، ونوعٌ لا يحتاج إليه، فما كان محتاجاً إليه من طعامٍ أو شرابٍ أو منكحٍ أو مسكنٍ ونحو ذلك، فهذا يطلبه من الله، ويسعى في سبيل تحصيله بالأسباب المباحة، فإذا حصَّل المال هذا، فهو يستفيد منه ويستخدمه في طاعة الله، ينوي به التقرب إلى الله حتى في المباحات ليس في الصدقات، لكنه -وهذه هي النقطة المهمة جداً جداً- لا يتعلق قلبه به، الإنسان قد يسعى في تحصيل المال، لكن لا يتعلق قلبه به، دعونا لنضرب أمثلة كما ذكر ابن تيمية رحمه الله، فيقول: يكون المال عنده يستعمله في حاجته، بمنزلة حماره الذي يركبه، وبساطه الذي يجلس عليه، وبيت الخلاء الذي يقضي حاجته فيه.

فالإنسان يحتاج إلى مركب أم لا؟ من قديم كانوا يحتاجون الدواب كالحمير والبغال والجمال، يحتاج حماراً يركبه، وبساطاً يجلس عليه وبيت خلاء يدخل ليقضي حاجته فيه، لكن هل الواحد يحب الحمار جداً وقلبه يعشق الحمار، أو أنه متيم ببيت الخلاء ومتعلقٌ به ولا يصبر على مفارقته، فهذه هي النقطة التي من أدركها فقد أدرك نظرة الإسلام إلى المال، يريد الله تعالى منا أن نكون عباداً نسعى لتحصيل المال وإنفاقه في طاعة الله دون أن نتعلق به، فإذا كان المال عندك مثل الحمار الذي تركبه، أنت لا تستغني عن الدواب، أنت تحتاجها وتشتريها وتبحث عنها وعن الجيد منها، وتسعى لذلك، لكنك لا تعشقها، وأنت أيضاً تحتاج إلى بيت الخلاء، ولكنك لست متيماً ببيت الخلاء ولا عاشقاً له.

إذاً: من كان المال عنده بهذه المثابة، فهو على خير وهذا هو المطلوب.

النوع الثاني من الأموال وهو: الأموال التي لا تحتاج إليها، الزائدة عن حاجتك، فهذه لا تتبعها نفسك، إذا حصلت لك، أنفقت منها في سبيل الله، وإذا ما حصلت لك، فأنت غير محتاج إليها أصلاً، فهذه لا ينبغي أن يتعلق بها القلب، فإذا تعلق القلب بها صار مستعبداً لها، معتمداً على غير الله فيها، فلا يبقى في القلب توكل ولا شعبة من التوكل.

إذاً هذه النظرة الشرعية للمال، كيف يجب أن يكون موقفنا من المال؟ نأخذه من الحلال، وننفقه في الحلال، ولا نعبده ولا نسخط إذا حرمنا ونرضى إذا أعطينا، وما نحتاج إليه نسعى إليه، وما لا نحتاج إليه لا نتعلق به، وما حصل لنا منه، فلسنا نحبه ونتيم به ونهيم من أجله، ولا يكون حبنا من أجل المال وكربنا من المال، ومن أعطانا أحببناه ومن منعنا كرهناه، ونؤدي حق الله فيه من الزكاة والصدقات، ونصل منه أرحامنا، ونفعل فيه بالمعروف: (نعم المال الصالح للرجل الصالح) فإذا كانت هذه هي العلاقة بالمال، فنحن على خيرٍ عظيم.