وهذا يقودنا إلى نقطة أخرى هي: أن بعض الناس مستعد لتنفيذ الأحكام الشرعية ما دام لا يتعرض للمشكلات، فإذا تعرض للصعوبات والمشكلات امتنع عن التنفيذ؛ لأنه غير مستعد للتضحية في سبيل الله، وغير مستعد أن يواجه صعوبة:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ}[الحج:١١] أي: حافة {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ}[الحج:١١] قال: هذه شريعة حسنة وهذا دين عظيم، وهذه أحكام بليغة:{فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ}[الحج:١١] ماذا يفعل إن أصابته مصيبة وشدة؟ {وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ}[الحج:١١] ارتد وانتكس وتولى وأعرض، ولم ينفذ الحكم، وعصى الله ورسوله:{انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}[الحج:١١].
ومما يتعلق بهذا السبب أيضاً: خوف الاضطهاد: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ}[العنكبوت:١٠] وهذه الآية العظيمة تبين لنا مبدأً عظيماً، وهو:{فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ}[العنكبوت:١٠] ما مسه في الدنيا من سخرية، أو كلمات جارحة، أو شيء من المقاطعة أو الهجر، جعلها كعذاب الله في الآخرة، ورضخ، وأعطاهم ما يريدون، ووافقهم على معصيتهم، أما الاضطهاد الذي يكره الإنسان فإن الله لا يؤاخذ على ترك الحكم فيمن هذا حاله.
وهذا الذي حصل للمسلمين بـ مكة، كان الرجل يضرب حتى لا يستطيع أن يستوي قاعداً من شدة ألم الضرب، ولا بد أن يستلقي طيلة الوقت، حتى يقولوا له: هذا الجعل إلهك، وهذا الخنفس إلهك فيقول: نعم! من شدة الضر الذي نزل به، لكن هؤلاء أكرهوا وقلوبهم مطمئنة بالإيمان، ولذلك عذرهم الله تعالى واستثناهم، وقال في شأنهم:{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ}[النحل:١٠٦] ولكن المصيبة: {مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً}[النحل:١٠٦] أي: قَبِل الكفر ورضي به، فعندما تصل المسألة إلى أذىً لا يطيقه البشر، ولا يطيقه الشخص كالضرب الشديد، والسجن الطويل، والتعذيب المؤلم، عند ذلك إذا ترك الحكم في الظاهر وقلبه مطمئن بالإيمان فعند ذلك لا حرج عليه لو تكلم بما يريدون، أما أن يترك الإنسان حكماً شرعياً لكلمة أو سخرية أو استهزاء فهذه سخافة؛ لأن هذا طريق الأنبياء، وبماذا كان الأنبياء يقابلون الاستهزاء والسخرية؟ إذاً لا يجوز مطلقاً أن نترك الأحكام لمثل هذه الأسباب الواهية التي يضخمها الشيطان ليقنعنا بأننا معذورون في ترك الحكم الشرعي.
ونحن في زمن فتنة، والقابض على دينه كالقابض على الجمر، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يقوي إيماننا، وأن يحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، اللهم ارزقنا اليقين، وتب علينا إنك أنت أرحم الراحمين، اللهم لا تؤاخذنا بما فعلنا واغفر لنا أجمعين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.