للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جعل الميزان غير التقوى]

من التصورات والموازين الخاطئة: جعل الميزان غير التقوى، والميزان عند الله هو: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣] فلما غاب هذا الميزان وهذا التصور، صار الناس ينظرون إلى الشخص ويقومونه بحسب غناه أو فقره، بحسب نسبه ووظيفته ومرتبته ودرجته في هذه الوظيفة، بحسب نوع السيارة والشهادة العلمية والمنصب والعائلة والجنسية ونحو ذلك، وإذا جاءهم صاحب دين أحواله مستورة أو نسبه ليس برفيع؛ ردوه في الزواج، وإذا جاءهم صاحب نسب أو مالٍ؛ قبلوه وإن كان فاسقاً فاجراً.

يقول لي أحد الشباب: تقدمت إلى عائلة، فقالوا لي: ما اسم الأخ؟ فقلت لهم: فلان الفلاني، وبعد فترة عدت إليهم من أجل الجواب فقالوا: والله نحن عندنا تقاليد معينة وأنتم ما نزوجكم؛ لأنكم لستم بأكفاء لنا، قالوا: لأني موظف في نظرهم بسيط.

يقول: ثم تقدم ولد عمي من نفس العائلة ومن نفس القبيلة ومن نفس الأسرة، ولكنه تاجر، قال: فقبلوه، وأهلاً وسهلاً وأنت من الأكفاء وعلى الرأس والعين، قال: لقد كنت غير مكافئ ولا أناسبهم، ثم جاء ابن عمي الذي يحمل نفس الاسم ونفس العائلة صار عندهم مكافئاً ومناسباً؟! شخصٌ آخر جاءهم بسيارة الشبح طالباً ابنتهم، فلما جلس في المجلس كان صريحاً فقال: يا جماعة الحقيقة أنا من الأشراف قالوا: ما فيها شيء، أبوها -الله يرحمه- كان نفس الشيء، وطلعت البنت وجلست.

إذاً: المسألة الآن أن الناس لا ينظرون إلى دينه ولا إلى خلقه، بل ينظرون إلى سيارته، ووظيفته، وماله، وبيته، وأثاثه، ولباسه، هذا نتيجة اضطراب الميزان الشرعي: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣]، الميزان الشرعي: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) هذا هو الميزان الشرعي: (إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه؛ فزوجوه، إلا تفعلوا؛ تكن فتنة في الأرض وفسادٌ عريض).

مر رجلٌ مسكين بالنبي صلى الله عليه وسلم، فسأل أصحابه عن رأيهم فيه، قالوا: (هذا حري إن نكح؛ ألا ينكح، وإن خطب؛ ألا يزوج، وإن قال؛ ألا يسمع لقوله، وإن شفع؛ ألا يشفع، فلما مر رجلٌ آخر ذو شارة حسنة وذو هيئة وأبهة قالوا: هذا حري إن خطب؛ أن ينكح، وإن قال؛ أن يسمع لقوله، وإن شفع؛ أن يشفع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا خيرٌ من ملء الأرض من مثل هذا) فالميزان الصحيح هو ميزان التقوى.