إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن المقصد الأول من مقاصد هذه الشريعة هو حفظ دين الله عز وجل حفظ الدين الذي أنزله الله سبحانه وتعالى وجعله مهيمناً على سائر الأديان، ولم يرتضِ من عباده غيره {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ}[آل عمران:١٩]{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[آل عمران:٨٥]، ولذلك تكفل الله بحفظه، وأما بقية الأديان فلم يبقَ منها دينٌ إلا وهو محرفٌ، أو مشوَّهٌ، أو مختلطٌ بآراء البشر.
لقد جاءت هذه الشريعة -أيها الإخوة- بوسائل متعددة لحفظ الدين ينبغي أن نتمعن فيها، لأننا إذا عرفنا طريقة الشريعة لحفظ الدين التزمنا هذه الطريقة، وحرصنا عليها، ووجب علينا أن نسلك السبل التي جاءت بها الشريعة لحفظ الدين.
إن الناس بدون دين كوحوش في الغابة، قويهم يأكل ضعيفهم، وظالمهم مسيطرٌ على مظلوهم، والناس بدون دين أموات {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}[الأنعام:١٢٢].
الناس بدون دين بهائم {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ}[محمد:١٢]{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً}[الفرقان:٤٤] وطرق الشريعة لحفظ الدين: العمل به أولاً، والجهاد من أجل إقامته ثانياً، والدعوة إليه ثالثاً، والحكم به رابعاً، ورد كل ما يخالفه خامساً.