الاحتساب: هو أن تحتسب المرأة المسلمة كل الأشياء التي تفعلها عند الله عز وجل، أن تطلب الأجر من الله وحده، إخلاصها لله سيدفعها إلى أن تحتسب هذه الأمور، والشعور بعظم الأجر وفضل الاحتساب، وما لها عند الله لو صبرت هذا سيدفعها إلى عدم التذمر وعدم التضايق ممن كان هذا حاله مما وصفنا قبل قليل.
وأذكر الآن حديثاً صحيحاً أيضاً يبين لنا بجلاء كيف كن نساء الصحابة رضوان الله عليهن يتحملن المشاق في الصبر على الشدائد، ومساعدة الزوج، والوقوف بجانبه، وألفاظ الحديث كافية في التعبير بدون زيادة.
في الصحيح عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت:(تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء، غير ناضح -الجمل الذي يسقى عليه الماء- وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء وأخرج به غربه -والغرب هو الدلو الذي يصنع من جلد الثور- وأعلف -تصور الآن تعلف الفرس وتسقي الماء وتخرز الدلو- وتعجن -كل هذه الأشياء وهي تتطلب جهداً كبيراً جداً- ولم أكن أحسن الخبز وكان يخبز جارات لي من الأنصار وكن نسوة صدق وكنت أنقل النوى من أرض الزبير الذي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي -تنقل النوى على رأسها- وهي مني على ثلثي فرسخ، فجئت يوماً والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار، فدعاني ثم قال: إخ إخ -وهي الكلمة التي تقال للبعير- حتى نزل ليحملني، فاستحييت أن أسير مع الرجال وذكرت الزبير وغيرته، وكان أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت فمضى، فجئت الزبير فقلت: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لي أركب فاستحييت منه وعرفت غيرتك، فقال الزبير: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه -يعني كلمة ملاطفة صحيح أنه شيء شاق- قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر -أي: لا زالت على هذه الحال- حتى أرسل إلي أبو بكر بخادم يكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني).
فانظر إلى هذه المرأة التي تعمل كل هذه الأعمال وتتعب كل هذا التعب خدمة لزوجها، هذا من الذي يعمله، لو قلنا لرجل يعمله والله لا يعمله، لا يقوى عليه رجل تعمله هذه المرأة، ثم انظروا رحمكم الله إلى هذا التعاون بين النساء، تقول أسماء رضي الله عنها:(ما كنت أعرف أخبز فكن نساء الأنصار يخبزن لي، وكن نسوة صدق) وهذا مهم جداً أن يوجد هذا المجتمع النسائي، تعاون على طلب العلم، ومن أجمل الأمثلة التي نسمعها أحياناً عن بعض النساء اللاتي يطلبن العلم كل واحدة معها أطفال، والأطفال إذا صرخوا لا تسمع ولا واحدة من النساء شيء في حلقة العلم، فيتعاونَّ فيوم تمسك الأولاد فلانة، ويوم آخر فلانة، والحلقة التي بعدها تمسك الأولاد فلانة، واحدة تضحي والباقيات يستمعن وينصتن ويتعلمن، ويأتيها الدور وهكذا تعاون.
وواحدة من الأمثلة الجميلة: جارات مثلاً سمعن أن فلانة عندها اليوم وليمة كبيرة، فذهبن مباشرة، هذه تطبخ لها في بيتها صنفاً وتأتي به، وتلك تساعدها في بيتها، هذه تفعل وهذه تضع، وهذه تصب، ببساطة توزع العمل، وكل واحدة من النساء زوجها عنده وليمة، فهذه مجموعة تساعد بعضهن بعضاً في هذه الأشياء، فإذاً حياة التعاون مهمة، وبعض الرجال يعزلون نساءهم عن النساء الأخريات، حتى إن المسكينة قد لا تجد من يعينها ومن يشد من أزرها ويساعدها، المفروض أن المرأة لها جارات طيبات، أخوات طيبات، زميلات طيبات، إذا احتاجت لا يكلفها الأمر سوى اتصال: عندي كذا، فتأتي المساعدة مباشرة، هذه الحياة لا بد أن تكون هكذا.