قال:(فقيل لي: هؤلاء أمتك، ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب).
هنا صار مع الأمة سبعون ألفاً من العظماء، وهم الذين لا حساب عليهم ولا عذاب (فخاض الناس في أولئك) النبي صلى الله عليه وسلم بعدما حدث بالحديث، وأخبر أن هؤلاء السبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب، وهذا من كرامتهم، وهؤلاء لا حساب عليهم ولا عذاب لا في القبور ولا بعد قيام الساعة، نفي الحساب والعذاب يفهم منه العموم، فلا حساب عليهم ولا عذاب لا في القبر ولا عند قيام الساعة، ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم بيته وانقطع الحديث عند هذا الحدث، فخاض الناس في أولئك؛ للوصول إلى الحقيقة لمعرفة من هم هؤلاء السبعون ألفاً؟ وبدأت الاستنتاجات من الصحابة، وهذا العمل من الصحابة رضوان الله عليهم دليل على شدة حرصهم على الخير، وأن يكونوا من هؤلاء، ويا ترى هل هم منهم أو ليسوا منهم؟ وبدأت الاستنتاجات في هؤلاء السبعين الألف (فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم) والمقصود الصحبة المطلقة، وربما يكون المقصود الصحبة في الهجرة، ولكن إذا قلنا: إنهم كل الصحابة، فالصحابة أكثر من سبعين ألفاً، وقد قدر عدد الصحابة الذين حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فقط بمائة وأربعة وعشرين ألف صحابي، والذين صحبوه في الهجرة أقل من سبعين ألفاً، وقد يحمل على صحبة معينة، مثلاً: من صحبه قبل الحديبية؛ لأنه قال لـ خالد بن الوليد:(لا تسبوا أصحابي) وكل الذين قبل الهجرة من المهاجرين لا يبلغون سبعين ألفاً، فالمحتمل أنهم من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى فتح مكة؛ لأن بعد فتح مكة دخل الناس في دين الله أفواجاً، وهذه مسألة تحتاج إلى نظر وتفتيش.
(فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئاً) قالوا: نحن أشركنا ثم أسلمنا، فيحتمل أن هؤلاء الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب هم الذين لم يشركوا أبداً، هؤلاء أناس ولدوا في الإسلام، وهم أبناء الصحابة، وذكروا أشياء، وخاض الناس في الاحتمالات، حتى طلع عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه، قالوا: من السبعون ألفاً؟ فقال صلى الله عليه وسلم:(هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون)، إذاً: عرفنا أنه ليس المقصود أناساً في زمن معين، لكنهم أناس عندهم صفات معينة وقد يوجدون في أي جيل.