هذه القصة يرويها حصين بن عبد الرحمن رحمه الله، وهو حصين بن عبد الرحمن السلمي الكوفي الثقة، الذي توفى سنة ست وثلاثين ومائة للهجرة، وكان عمره ثلاث وتسعون سنة، يقول: كنت عند سعيد بن جبير وهو الإمام الفقيه، من أجلاء أصحاب ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وهو كوفي مولى لبني أسد، قتل بين يدي الحجاج ظلماً وعدواناً، وذهب إلى الله شهيداً فيما نحسب سنة خمس وتسعين للهجرة ولم يكمل الخمسين عاماً، ومع ذلك فقد روى سعيد بن جبير علماً غزيراً نافعاً، ملأ كتب التفسير والحديث.
يقول حصين بن عبد الرحمن: كنت عند سعيد بن جبير فقال: أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ كوكب سقط، وانقضاض الكوكب يرى إذا كانت السماء صافية، والبارحة ما بعد الزوال، وقبل الزوال تقول: الليلة، إذا أردت أن تتحدث عن شيء مضى قبل الزوال تقول: الليلة، وإذا أردت أن تتحدث عن شيء مضى بعد الزوال تقول: البارحة، وبعض الناس يقولون: البارحة من طلوع الشمس إلى الغروب، ومن الغروب إلى طلوعها يقولون: الليلة، حصل الليلة كذا وكذا، من غروب الشمس إلى طلوع الشمس أو الفجر.
قال: أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ قال حصين: فقلت: أنا، ثم قلت: أما إني لم أكن في صلاة هذا الرجل وهو حصين -رحمه الله- رأى النجم وهو ينقض، لكن يقول للحاضرين: أنا لم أكن قائماً في الليل لأنني كنت أصلي، إنما كنت قائماً لسبب آخر، قال: ولكني لدغت.
لم تمنعه الصلاة من النوم لكن منعه الألم من اللدغ، وهذا فيه فائدة بليغة في قضية الابتعاد عن الرياء؛ لئلا يحسب من الذين يحمدون بما لم يفعلوا، لأن الله تعالى ذم الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فهذا حصين من أعداء الرياء، وهكذا كان السلف رحمهم الله في إخلاصهم قال حصين: أما إني أما: أداة استفتاح، وقيل: هي بمعنى حقاً أما إني لم أكن في صلاة، الحقيقة أني لم أكن في صلاة؛ لئلا يظن السامعون أنه قائم يصلي، فيكون كأنه قد راءى بشيء لم يفعله، أو سمَّع بشيء لم يفعله، وهذا الأمر من نقص التوحيد؛ إذا راءى الإنسان وسمع بأعماله، فهو حتى يبرئ نفسه من هذا وضحها وقال: إني كنت مستيقظاً لأجل لدغ لا لأجل الصلاة، ولكني لدغت، واللدغة للعقرب، والظاهر أنها كانت شديدة، ولذلك لم ينم منها طيلة الليل.