ومن الأشياء السيئة في العلاقة الزوجية: الإجراءات التعسفية في عقوبة الزوجة، كيف ذلك؟ هذا رجل إذا حصل خلاف بينه وبين زوجته يقول: اذهبي إلى غرفة نوم الأولاد بسرعة ولا أرى وجهك في الغرفة هنا، وتجلس يوماً يومين ثلاثة أسبوعاً أسبوعين وربما شهراً في غرفة الأولاد، هذا عنده عقاب، وإذا جاءت تسترضيه قال: ما الفائدة أنت دائماً تخطئين وتعتذرين، روحي مع السلامة، سبحان الله! أنت تريدها أن تشعر بالخطأ، فها قد شعرت بالخطأ الآن وجاءت تعتذر إليك وتسترضيك ثم تقول: ما الفائدة واذهبي؟ إذاً: متى ستقبل لها عذراً؟ ومتى ستنتهي هذه العقوبة؟ والله عز وجل لما قال للزوج:{وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}[النساء:٣٤] ماذا قال في آخر الآية؟: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً}[النساء:٣٤] فإذا جاءت المرأة إليك طائعة وقالت لك: ماذا تريد، ونفذت كلامك، فهل بقي لك عذر أمام الله لكي تبغي عليها وتستمر في العقوبة معها بعد أن فعلت ما تريده لك؟ ومسألة التعسف والعنف: أريد أن أربيك، أريد أن أعلمكِ، والمرأة قد تكون في وضع من الحمل أو النفاس لا تطيق ذلك، إن هذا مخالف لقول الله عز وجل:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء:١٩] وبعض الأزواج قد يصل به السوء أو سلبيته في العقوبة أن يعاقب زوجته بمنعها من طاعات.
فأقول: أيها الزوج! إياك أن تعاقب زوجتك المستقيمة على خلاف بينكما بحرمانها من طاعات مثل جلسات العلم أو مركز تحفيظ القرآن، أو القراءة في كتب، أو سماع أشرطة، فهذه ليست عقوبات شرعية على الإطلاق، عاقبها كما أمر الله سبحانه وتعالى، لكن أن تحرمها من طاعات، لا.
إلا إذا كان قيامها بأمر من الطاعة يسبب تفويت طاعة أعلى من ذلك، فلنفرض أن زوجة -مثلاً- عندها حلقات علم بلا عدد، حلقة في الصباح وحلقة في المغرب وتحفيظ القرآن وهنا تدريس وعند جاراتها وعند كذا، وترتب على هذا في النهاية عدم القيام بحق الزوج وتضييع الأولاد، البيت غير مرتب الطعام غير جاهز الملابس غير نظيفة، ففي هذه الحالة لا بد أن الزوج يحد من نشاط زوجته ولو كان نشاطاً دعوياً؛ لأنه يترتب عليه من المفاسد تضييع أشياء أهم، والله عز وجل ما كلف المرأة أن تذهب داعية خارج البيت وتدور على بيوت الناس وتأمر وتنهى لا، وإنما عندها أولويات لا بد أن تقوم بها، فمن أولوياتها: القيام بحقوق الزوج الأولاد البيت، قد تطلب العلم في البيت، لا يلزم أن تحضر هنا وهنا وهنا وتذهب في هذه المحاضرات وهذه المراكز وهذه المناسبات وتلك الجلسات في البيوت، ليس مفروضاً عليها هذا، إن حصل فالحمد لله هذا شيء طيب بالحدود المعقولة، ولكن أنها تحضر كل مناسبة ويترتب على ذلك تضييع لحقوق الزوج فليس هذا من قيامها بالحق الذي هو عليها بالإطلاق.
ولا بد أن يكون عند الزوج مراعاة لمشاعر زوجته، وأن يكون عنده إحساس مرهف تجاه هذه الأشياء، وإليكم هذا الحديث العظيم! هذا حديث ينبغي أن نتوقف عنده لنتبين كيف كان صلى الله عليه وسلم دقيقاً في مراعاة شعور زوجته، وإننا عندما نسمع هذا الحديث نقف بإجلال واحترام لشخصية هذا النبي العظيم صلى الله عليه وسلم الذي لم تشغله هموم الدولة والغزو والجهاد وتجهيز الجيوش، ونشر الدعوة في العالم، وإرسال الرسائل إلى كسرى وقيصر، ومتابعة الأمور العظيمة لم تشغله عن مراعاة مشاعر أو شعور زوجته بشيء دقيق جداً واسمع معي هذا الحديث.
عن عائشة رضي الله عنها قالت:(قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم إذا كنتِ عني راضية وإذا كنتِ عليَّ غضبي، قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد -يعني: إذا أتيت لتقسمي قلت: لا ورب محمد- وإذا كنت قلت: لا ورب إبراهيم قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله! ما أهجر إلا اسمك) فقط الاسم وإلا المكانة في قلبي ما زالت كما هي فقط الاسم.
فهذه الملاحظة الدقيقة تبين ذلك، ومَنْ مثل الرسول صلى الله عليه وسلم في مشاغله ومهماته وواجباته التي عليه؟ لا أحد، لكنه مع ذلك كان يقوم بهذا الدور مع زوجاته رضي الله عنهن.