أولاً: لا بد أن نعود إلى الجذور، لا بد أن نعود للكلام عن الجن، ذلك العالم الذي خلقه الله تعالى كما خلق عالم الإنس وعالم الملائكة، والحمد لله رب العالمين، والعالمين جمع عالم، أخبرنا الله تبارك وتعالى أنهم خلقوا من النار، فقال عز وجل:{وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ}[الحجر:٢٧]{وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ}[الرحمن:١٥] ومارج النار: طرف اللهب، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(خلق الملائكة من نور، وخلق الجان من نار، وخلق آدم مما وصف لكم) رواه مسلم رحمه الله تعالى.
وخلق الجن متقدمٌ على خلق الإنس، فكانوا قبلهم في الأرض بدليل قوله تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ}[الحجر:٢٦ - ٢٧] وقيل في سبب قول الله تعالى في كلام الملائكة لما قالوا لربهم في خلق آدم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}[البقرة:٣٠] قالوا: إن الملائكة توقعت أن يكون هذا شأن المخلوق الجديد لما رأوا من المخاليق الذين قبله من الجن الذين أفسدوا فيها وسفكوا الدماء، وسمي الجن جناً لاستتارهم قال تعالى:{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ}[الأنعام:٧٦] واستجن بالشيء أي: اتقى به واختفى وراءه، وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم عن أصنافهم وعن شيءٍ من قدراتهم، فقال في الحديث الصحيح:(الجن ثلاثة أصناف: فصنفٌ يطيرون في الهواء، وصنفٌ حياتٌ وكلاب، وصنفٌ يحلون ويظعنون) فأخبرنا بقدرتهم على الطيران وأخبرنا بقدرتهم على التشكل في هيئة حياتٍ وكلاب، ولا مجال للتكذيب بعالم الجن ألبتة، ومن أنكر وجود الجن فهو كافر، لأنه كذب الله تعالى الذي قال في محكم تنزيله:{وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ}[الحجر:٢٧]{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً}[الجن:١]{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ}[الأحقاف:٢٩] فالمكذب بوجود الجن كافر، ولم يكذب به إلا طائفة من الفلاسفة والعقلانيين، وبعضهم زعموا أن الجن نوازع الشر في النفس الإنسانية، وأنهم ليسوا خلقاً مستقلاً وأنكروا وجودهم، وهؤلاء ولا شك ضلال، فإن المعرض عن كلام الله ورسوله لا يكون إلا ضالاً.