[هدي السلف في الدعوة إلى الله]
أيها المسلمون: لقد كان أصحابه صلى الله عليه وسلم من بعده وفي حياته قائمين بأمر الدعوة إلى الله، حريصين على هداية الناس كل الحرص، ولذلك كانوا قبل القتال -حتى في المعارك- وهم يهاجمون فارس والروم وفي حروب المرتدين يعرضون عليهم الإسلام أولاً قبل القتال، لأنهم أصحاب رسالة رحمة، يريدون قبل أن تراق دماء القوم ويقتلوا ويرسلوا إلى جهنم وبئس المصير، يريدون المحاولة الأخيرة علَّ الله أن يهديهم، ولذلك كتب أبو بكر إلى جميع المرتدين، يأمرهم بالرجوع إلى الإسلام، يقول لهم: [إني بعثت إليكم فلاناً في جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، وأمرته أن لا يقاتل أحداً ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله، فمن استجاب له وأقر وكفّ وعمل صالحاً قبل منه وأعانه عليه، ومن أبى أمرت أن يقاتله على ذلك] الدعوة قبل القتال، ولذلك كتب إلى سعد بن أبي وقاص الخليفة الثاني من بعده، الفاروق رضي الله عنه يقول: [وقد كنت أمرتك أن تدعو من لقيت إلى الإسلام قبل القتال، فمن أجاب إلى ذلك قبل القتال فهو رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، وله سهم في الإسلام].
وكذلك فإن هذه الدعوة قد آتت بعض ثمارها، فقد عاد مع عدي بن حاتم الطائي الذي دعا قومه قبل القتال، رجع معه خمسمائة مقاتل إلى الإسلام، وكان خالد يهم بقتالهم ولكن وجه إليهم عدياً يدعوهم أولاً.
وفي جبهة فارس دعا خالد بن الوليد رضي الله عنه أشراف الحيرة قبل القتال؛ فأسلم بعضهم.
وكتب خالد إلى ملوك فارس يقول: [بسم الله الرحمن الرحيم من خالد بن الوليد إلى ملوك فارس، أما بعد: فالحمد لله الذي حل نظامكم إلى أن قال: فادخلوا في أمرنا ندعكم وأرضكم ونجوزكم إلى غيركم، وإلا كان ذلك نأخذها وأنتم كارهون على غلب، وبالإكراه والقوة على أيدي قوم يحبون الموت كما تحبون الحياة] ودعا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أهل القصر الأبيض إلى الإسلام بواسطة سلمان الفارسي الذي يعرف لغة القوم رضي الله عنه، يدعوهم إلى الإسلام والتوحيد.
وكذلك قام المسلمون في الجبهات الأخرى، فهذا عمرو بن العاص في الجبهة المصرية، لما تصافّ المسلمون وأهل مصر للقتال قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: [لا تعجلوا حتى نعذر، ليبرز إليّ أبو مريم وأبو مريام راهبا هذه البلاد، فبرزا إليه، فقال لهما عمرو بن العاص: أنتما راهبا هذه البلاد فاسمعا.
إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق، وأمره به وأمرنا به محمد صلى الله عليه وسلم، وأدى إلينا كل الذي أمر به ثم مضى وتركنا على الواضحة، وكان مما أمرنا به الإعذار إلى الناس، فنحن ندعوكم إلى الإسلام فمن أجابنا إليه فمثلنا، ومن لم يجبنا عرضنا عليه الجزية وبذلنا له المنعة] أي: الحماية في مقابل دفع الجزية.
وكان الرجل عندما يسلم يفرح به المسلمون فرحاً شديداً، ولذلك دعا أبو عبيدة رضي الله عنه رسول الروم، السفراء كانوا يدخلون في نطاق الدعوة، فلما أسلم فرح المسلمون بإسلامه وصافحوه ودعو له بخير، وقالوا له: [ما أعزك علينا وأرغبنا فيك، وأكرمك علينا، وما أنت عند كل امرئ منا إلا بمنزلة أخيه لأمه وأبيه] احتفاء بالمسلم الجديد، حتى قال الرومي: فإنكم نِعْمَ ما رأيت.
هذا هو الانطباع الذي يكون عند المسلمين بفرحهم بدخول شخص جديد في الإسلام.
وعندما دعا خالد رضي الله عنه بعض الكفرة إلى الإسلام أو الجزية أو القتال، فاختاروا أداء الجزية لم يفرح خالد رضي الله عنه بذلك، رغم أن مبلغ الجزية كان كبيراً باعتبار أن عددهم كان مائة وتسعين ألفاً، بل ضاق صدره وتأسف على إعراضهم عن الإسلام وقال: [تباً لكم، ويحكم إن الكفر فلاة مضلة، فأحمق العرب من سلكه] لم يفرح بالعوائد المالية؛ لأنه كان يريد فرحة أكبر بإسلام أولئك القوم، كان الحرص من الداخل على الهداية لدرجة أن الرجل الكافر إذا أسلم تحصل فرحة عظيمة، وإذا رفض الإسلام يحصل اهتمام واغتمام، ولذلك روى زياد بن جزء الزبيدي الذي كان في جند عمرو بن العاص لما ألقوا القبض على أسرى الروم، يقول: جعلنا نأتي بالرجل ممن في أيدينا، ثم نخيره بين الإسلام والنصرانية، فإذا اختار الإسلام كبرنا تكبيرة هي أشد من تكبيرنا حين تفتح القرية، ثم نحوزه إلينا، وإذا اختار النصرانية نخرت النصارى ثم حازوه إليهم، ووضعنا عليه الجزية، وجزعنا من ذلك جزعاً شديداً، حتى كأنه رجل خرج منا إليهم، مع أنه كافر أصلي، لكنه الحرص على الدعوة والفرح للإسلام، والحزن على إصراره على الكفر ولو كان يدفع الجزية؛ لأن الله بعثهم دعاة ولم يبعثهم جباة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يقوم بأمره، اللهم اجعلنا ممن يقومون بالحق وبه يعدلون، يا رب العالمين.
اللهم ارزقنا السداد في القول والعمل، واهد قلوبنا، وطهر أنفسنا، وحصن فروجنا إنك سميع الدعاء.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.