ومن صفاتهم كذلك: الرجوع إلى الحق وعدم اتباع الهوى، ومن صفاتهم: الخشية، قال الله تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:٢٨] وبعض الناس تجد عنده علماً لكن ليس لديه خوف من الله جل وعلا ولا خشية، ولذلك قد لا يعمل بعلمه، وقد يفتي بالهوى ويتبع الشهوات والآراء، وهذا حال كثير من المتعالمين الذين يدعون العلم لا تجد عند كثير منهم الخشية، وهي صفة مهمة من صفات العالم، وكان علماؤنا في مرحلة الطلب يحرصون على اختبار مشايخهم قبل الأخذ عنه، يبتلي العالم هل هو الرجل المطلوب أم لا؟ احتياطاً في الدين وورعاً في الأخذ، ما كانوا يأخذون عن أي أحد، وقد جاء في ترجمة أبي نعيم الفضل بن دكين، أن يحيى بن معين وأحمد بن حنبل أتيا يريدان أن يسمعا حديثاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ومعهما ولد صغير فعندما أتيا قال يحيى بن معين لـ أحمد بن حنبل: نختبر الرجل قبل أن نأخذ عنه، فقال أحمد بن حنبل: الرجل فذ لا يحتاج إلى اختبار، قال: ما نعلم عن حاله بل لابد أن نختبره، فقرأ عليه يحيى بن معين أحاديث ويزيد مع كل عشرة أحاديث حديثاً ليس من حديثه، أي: يحيى بن معين كان يحفظ من أحاديث أبي نعيم، فجاء يسأل أبا نعيم يقول له: هل هذه الأحاديث أنت رويتها؟ فيأتي بعشرة أحاديث ثم يأتي على رأس العشرة بحديث ليس من أحاديث أبي نعيم، اختباراً له، وقرأ عليه ثلاثين حديثاً، وبعد أن انتهت الأحاديث قال أبو نعيم الفضل بن دكين: أما هذا الغلام فصغير، وأما أحمد بن حنبل فأورع من أن يفعل هذا، والذي فعل هذا أنت، أي أنه فطن لها، فأخذ رجله وجعل يرفس يحيى بن معين حتى قلبه على قفاه، فقال أحمد بعد أن انتهت القضية، ألم أقل لك: إن الرجل فذ! قال يحيى: والله إن رفسته أحب إلي من كذا وكذا.
فكانوا يختبرون علماءهم قبل أن يأخذوا عنهم، قال البخاري رحمه الله تعالى في أول كتاب الفرائض من صحيحه: قال عقبة بن عامر رضي الله عنه: [تعلموا قبل الظانين] قال البخاري: أي قبل الذين يتكلمون بالظن، قال النووي في مقدمة المجموع ما معناه: تعلموا العلم من أهله المحققين الورعين قبل ذهابه ومجيء أقوام يتكلمون في العلم بمثل نفوسهم وظنونهم التي ليس لها مستند شرعي.
لذلك لا بد من الحرص على لقاء العلماء قبل أن يذهبوا، والعالم إذا مات انثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها إلا مجيء عالم مثله.