للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية حمل مريم بعيسى عليهما السلام]

خلق الله بني آدم على أربعة أنواع: فمنهم من خلقه من أبٍ وأم كسائر البشر، ومنهم من خلقه بلا أبٍ ولا أم: وهو آدم، ومنهم من خلقه من أمٍ بدون أب: وهو عيسى، ومنهم من خلقهم من ذكرٍ بلا أنثى: وهي حواء.

فإذاً: كان عيسى نموذجاً فريداً في البشرية أن يخلق بغير أب، وليس المقصود بغير أب يعني بغير زوج أو بغير زواج شرعي أو لا يعرف من أبوه، لا.

فلا يوجد هناك ذَكر في الموضوع أصلاً؛ لذا قالت مريم: {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} [آل عمران:٤٧] لا بالحلال ولا بالحرام، فجاء جبريل فتمثل لها في هيئة البشر، وكانت قد انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً، قيل: أصابها الحيض فخرجت عن المسجد، حتى لا تقذر المسجد، والحائض لا تقرب المسجد، فانتبذت مريم مكاناً في شرقي المسجد، فأتاها جبريل على هيئة بشر، وكانت امرأة عفيفة فلما رأت أمامها رجلاً فزعت واستعاذت بالله منه: {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً} [مريم:١٨] إن كنت تخاف الله ابتعد عني: {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً} [مريم:١٩ - ٢٠] لست بغياً ولا بذات زوج، فمن أين يأتي الولد؟! {قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} [مريم:٩] فماذا فعل جبريل؟ {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} [الأنبياء:٩١] فالنفخة خرجت من جبريل، وأين نفخ؟ في جيب درعها -فتحة الفستان أو القميص عند الرقبة- فولجت النفخة إلى الرحم بقدرة الله فحملت، وهذا على الله يسير، فالذي خلق كل هذا الكون لا يعجزه أن يخلق إنساناً بغير أب، وهكذا خلقه من أنثى بغير ذكر، فهذا هو عيسى عليه السلام.

ولما استدعى النجاشي المسلمين الذين جاءوا إليه وسألهم ماذا تقولون في عيسى؟ قال له جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا؛ هو عبد الله ورسوله، وروحه، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول، قال: فضرب النجاشي بيده إلى الأرض -أي: أخذ منها عوداً- ثم قال: ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود.

وهذا من إيمان النجاشي، قال: ما وصفتم به عيسى هو الحق، وما تعديتم الحق، فتناخرت بطارقته حوله حينما قال ما قال، فقال: وإن نخرتم والله، هذا النجاشي رحمه الله.