للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دور المرجفين في إثارة الإشاعات والخوف بين الناس]

ومن المصادر الأخرى للخوف: المرجفون الذين يثيرون الإشاعات والبلابل بين الناس، وتثبيطهم عن أحكام الدين، ويقولون في إشاعاتهم: انظر إلى فلان عندما التزم بالإسلام ماذا حل به؟! وفلان ماذا حصل له؟! فيثبطون كثيراً من الملتزمين بالإسلام.

أيها الإخوة! إذا نظرنا إلى واقع الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، والخوف الذي تعرضوا له، وقارناه بالخوف الذي نتعرض له نحن، لوجدنا أشياء عجيبة، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، وأخفت في الله وما يُخاف أحد، ولقد أتت علي ثلاثون ما بين يومٍ وليلة، وما لي وما لـ بلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيءٌ يواريه إبط بلال).

الرسول صلى الله عليه وسلم أخيف وأرهب بجميع وسائل الإرهاب والخوف، وليس هناك مثل الخوف الذي تعرض له الرسول صلى الله عليه وسلم أي خوفٍ آخر مطلقاً، لدرجة أنه في وقتٍ من الأوقات لا يجد شيئاً يأكله إلا شيئاً يسيراً يخفى تحت إبط بلال: (وما لي وما لـ بلال شيءٌ يأكله ذو كبدٍ -طعامٌ يأكله ذو كبدٍ- إلا شيءٌ يواريه إبط بلال) ويدلك على ذلك واقع الرسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أنه جلس ثلاثة عشر عاماً في مكة، يتعرض لجميع وسائل الإخافة والأذى والإرهاب حتى يرجع عن دينه، هذا يسخر منه، وهذا يسبه، وهذا يبصق في وجهه صلى الله عليه وسلم، وهذا يحاول أن يضع رجليه على عنقه إذا سجد، وهذا يضع أمعاء البعير على ظهره وهو ساجد، وهذا يأخذ بمجامع ثوبه ويحاول أن يخنقه خنقاً شديداً، وهذا عمه يتبعه في المجامع أنى ذهب يؤذيه ويقول للناس: هذا كذاب هذا مجنون، ويحذرهم منه، وهؤلاء يغرون السفهاء فيرجمونه حتى تسيل رجلاه دماً، وهؤلاء يحاصرون أهله وعشيرته فترة طويلة في الشعب ليموتوا جوعاً، وهؤلاء يعذبون من اتبعه بأنواع العذاب، فمنهم من يضجعونه على الرمل في شدة الرمضاء ويمنعونه الماء، ومنهم -من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم- من ألقي على شيءٍ محمى وما أطفأ هذه النار إلا شحم ظهر هذا الرجل الذي سال على النار من شدة الحر فأطفأها.

ومنهم امرأة عذبوها لترجع عن دينها، فلما يأسوا منها؛ طعنها أحدهم بحربةٍ في فرجها فقتلها، كل ذلك لا لشيءٍ إلا لشيءٍ واحد؛ لأنه يدعوهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور فقط.

أما الناس الذين كانوا من قبلنا من أتباع الأنبياء، فمنهم من نشر بالمنشار، ومنهم من أحرق بالنار، هذا هو الابتلاء الذي تعرضوا له.

نحن الآن في واقعنا ما هي نسبة هذه الأشياء التي نتعرض لها؟! لا شيء، فما بال كثير من الناس اليوم يرجعون عن التمسك بالإسلام لكلمةٍ سمعها أحدهم من صاحبٍ أو قريبٍ له وهو يستهزئ به، والنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون الأوائل لم يتراجعوا عن الدين بالرغم من هذه المصائب التي ابتلوا بها.

نحن اليوم نرجع عن الدين وعن التمسك بأحكامه لأدنى كلمة، وأدنى شهوة تعرض لنا في طريقنا، أليس هذا من العجائب، ومن الدلائل على ضعف الإيمان ومقوماته في نفوسنا؟ بلى.