للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الزواج السري]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

أما بعد: أيها الإخوة: كنا قد تكلمنا في خطبةٍ ماضية عن أركان النكاح وشروطه في هذه الشريعة، ثم أتبعنا ذلك بخطبة أخرى في الكلام عن نوع من الزواج الذي بدأ يظهر عند بعض الناس، وهو أن يتزوجها بشرط ألا يكون للزوجة مبيت ولا نفقة، وبعضهم يتزوجها عند أهلها، وبعضهم يخفي هذا الزواج، وهو الذي يعرفه بعض الناس بـ (زواج المسيار) وذكرنا أن هذا الزواج إذا كان مكتمل الشروط، بأن تحققت فيه شروط العقد، وشروط صحة النكاح؛ فإنه نكاح صحيح، وبهذا يفتي شيخنا أبو عبد الله ابن باز نفع الله به.

وكذلك عرفنا أن الشروط هذه فاسدة غير مفسدة للعقد، لأن للمرأة الحق في المبيت والنفقة، فإذا سكتت عن هذه المطالبة فالعقد صحيح باقٍ على صحته، وإذا طالبت بحقها في المبيت والنفقة فلها ذلك، وكان الشرط الذي اشترطه عليها في العقد باطلاً وفاسداً غير مفسد، فإذا أعطاها حقوقها فالحمد لله، وإن أبى فإنه يجبر على الطلاق، ولكن هذا النكاح قد لا يكون مرشحاً للنجاح من الناحية الاجتماعية، حيث إن الزوج لا يتكلف فيه شيئاً، وربما كان مجالاً للتذوق والتنقل من امرأة إلى أخرى، ولوحظ أنه يفتح باباً للفساد عند المرأة التي لا يأتيها هذا الرجل إلا مرة في الشهر أو نادراً، فاتخذت ذلك ذريعة إلى ارتكاب الفواحش، واستعانت على ذلك بظهورها أمام الناس أنها متزوجة، فعند ذلك يصبح هذا النكاح حراماً ليس في ذاته ولكن لما يؤدي إليه من المفاسد، فالنكاح إذا اكتملت فيه الشروط فهو صحيح، وإذا وجدت فيه شروطٌ فاسدة غير مفسدة فهو باق على صحته، وإذا أدى إلى وقوع الفساد فإنه يحرم لا لذاته، ولكن لما يؤدي إليه من الفساد.

وذكرنا أن لبعض الناس أغراضاً في مثل هذا النكاح، كأن يكون فقيراً، أو أن تكون المرأة موظفة لا تريد فراق وظيفتها أو أهلها، أو هو لا يريد أن يكتشف أمره، وأن عنده زوجة أخرى ونحو ذلك.

وسنزيد الكلام إيضاحاً -إن شاء الله- في هذه الخطبة، في قضية حكم الزواج السري، ما حكم الإسرار بالزواج وكتمان أمره وجعله خفياً؟ وقد ذكرنا أن بعض الناس يعمدون إلى الزواج من بعض النساء في الخارج، أو يتزوج الخادمة في بلدها ويأتي بها ويكتم هذا الأمر، فما حكم كتمان الزواج؟ وما حكم هذا النوع من النكاح؟ وما حكم نكاح الهبة التي يسميها بعض الناس كذلك؛ أن تهب المرأة نفسها للرجل بدون ولي ولا شاهدين ولا إعلان؟