للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية العدل بين الذكور والإناث]

ويسأل الناس فيقولون: لقد عرفنا أن العدل بين الأولاد واجب، وهم ذكور وإناث، فكيف نعدل بينهم؟ قال بعض أهل العلم: يجب العدل بينهم (الذكر مثل الأنثى) وقال بعضهم: يجب العدل بينهم كما عدل الله في كتابه، فالله عدل بينهم، لأن للذكر مثل حظ الأنثيين، وعلى ذلك لو أعطيت الولد مائة تعطي البنت خمسين، وهذه هي طريقة الشريعة في الدية وفي الإرث وفي العقيقة وغير ذلك، ولأن الذكر صاحب حاجة أكثر من الأنثى، ولذلك لما سأل بعض الإخوان فقال: إني آخذ من راتبي مائة ريال -مثلاً- وأسجله باسم ولدي فلان، أوفره له وآخذ خمسين وأسجلها باسم ابنتي فلانة، فنقول: لقد جوز بعض أهل العلم هذا، ولك أن تفعل هذا في التوفير لأولادك إذا أردت.

ومن عمق هذه المسألة قال أهل العلم: يعدل بين الأولاد حتى في البشاشة والترحيب والتقبيل، قال إبراهيم رحمه الله: كانوا يستحبون أن يسوى بينهم حتى في القُبَل، ولا يخص أحداً بطعام دون آخرين لغير سبب، وقد تدعو الحاجة لتخصيص أحد الأولاد بنوع من الشفقة، كما إذا كان مريضاً، أو زيادة في الترحيب كما إذا قدم من السفر، وهذا لا بأس به لقيام السبب الموجب لذلك، وفي الأشياء التافهة تسامح أهل العلم في عدم العدل فيها كقطعة -مثلاً- من الحلاوة ليس عنده غيرها، أعطاها للصغير -مثلاً- ولكن الأصل أن يعدل بينهم لو استطاع.

واعلموا -أيها الإخوة- أن كثيراً من الناس لا يتقون الله، كثير من الآباء يظلمون أولادهم، فتجد الواحد منهم يميل إلى أحد الأولاد لسبب تافه، كأن يكون هذا الولد أوسم من إخوانه وأجمل في الشكل والصورة فيميل إليه، أو أن الولد يشبه أباه، والولد الآخر يشبه أمه، فيقول: أنت منا ويعطيه، ويقول للآخر: أنت لأخوالك فاذهب، هذا من الأسباب التافهة التي يتركب عليها الظلم بالأولاد، وكذلك أن يدخل بعض الآباء أولاد الزوجة الأولى في مدارس خاصة، وأولاد الزوجة الثانية في مدارس عادية، هذا من الظلم أيضاً، يجب أن يساوي بينهم، وهذا الظلم وعدم التسوية تولد الغيرة والحسد بين الأولاد بعضهم على بعض، تربية سيئة، ولنا في قصة يوسف عبرة: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} [يوسف:٨].

مع أن يعقوب عادل، لكن محبته القلبية سببت هذا، فكيف بالظلمة: {يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً} [يوسف:٥] فكيف بمن يتعمد الظلم بين الأولاد، ويسأل بعض الإخوان فيقول: لي أولاد يعطونني من رواتبهم، وأولاد آخرون لا يسألون عني فماذا أفعل؟ وأنا أريد أن أعطي هؤلاء شيئاً؟ وقد أجاب الشيخ/ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن هذا السؤال بما ملخصه: لو كان الأولاد يعطونك من رواتبهم لك لتتملكه براً بك، فيجب العدل ولا تعطيهم شيئاً بعد أن تملكته زيادة على إخوانهم، أما لو أعطوك المال لتحفظه لهم، ولتوفره لهم، أي أن بعض الأولاد يعطي راتبه كاملاً للأب ليحفظه له، وهو ينوي أن أباه سوف يعطيه إياه في المستقبل أو جزءاً منه على الأقل، فعند ذلك يجوز للأب أن يعطي الولد ما لا يزيد عما أعطاه الولد في البداية، وكذلك بعض الآباء من أصحاب الشركات والمؤسسات والدكاكين مثلاً يشتغل معه ولده في الدكان أو الشركة، والأولاد الآخرون موظفون بوظائف مستقلة، فما هو الحكم؟

الجواب

له طريقتان: إما أن يعطي الولد الذي يشتغل معه أجرة بنفس ما إذا كان العامل غير ابنه، أو أن يدخل الولد شريكاً معه، فيقول: يا بني! تريد أن تعمل معي وتفرغ لي وقتك، وتنشط أعمالاً فادخل معي شراكة في الربع مثلاً؟ فإن اتفقا على هذا كانت شركة، دون أن يظلم بقية الأولاد.

كونه يشتغل معك لا يعني أن تظلم بقية الأولاد، وكذلك إذا خلص الولد قطعة أرض لأبيه وجرت المعاملة حتى أنهاها، فإن الوالد يجوز أن يعطيه أتعابه، كما يعطي المحامي وكما يعطي المخلص.

وكذلك إذا اضطر أن يعطي الولد راتباً لئلا يتركه كما تركه بقية الأولاد، فهذا جائز، وإذا بلغ الولد سن الزواج فإنه يجب على الأب أن يزوجه إذا كان قد زوج إخوانه الكبار، مثلما زوجهم يزوجه لو كان عنده قدرة وطاقة، وإذا مات الأب وأوصى للولد الذي لم يتزوج بمقدار مثلما زوج به إخوانه يجوز هذا، لكن لو مات وهو صغير، فلا يجوز له بشيء وإنما حظه مثل حظ إخوانه في التركة.

وكذلك يجب العدل بين الأولاد، وأن يراعي ذلك ولا يفضل أحداً على أحد إلا لمسوغ شرعي بالزيادة، فمثلاً لو كان أحد الأولاد فقيراً والآخرون أغنياء، كان يكون أحد الأولاد عنده عائلة كبيرة والآخرون ليس عندهم ذلك، فيجوز أن يدعم الأب ابنه في هذه الحالة لوجود السبب، ليسوا سواء الآن، كذلك لو أرادت إحدى بناته أن تتزوج يعطيها بمناسبة الزواج ذهباً ونحوه، فإذا تزوجت البنات الباقيات يعطيهن مثلما أعطى ابنته، وقال أحمد: يعوض البنات الباقيات، وكذلك ما يتفاضل به بعضهم على بعض من الطعام والكسوة -مثلاً- فلا شك أن الولد الكبير يحتاج إلى ثياب أكثر مما يحتاج الولد الصغير مثلاً.

هذا الاختلاف لا بأس به، والولد الأكبر يأكل أكثر من الولد الأصغر فلا بأس، والبنت تنفق على ملبوسها أكثر مما ينفق الذكر لا بأس بذلك، وتحتاج إلى حلي والولد لا يحتاج لا بأس بذلك، فهذا سبب تفاوت الطبيعة بينهم، الولد قد يحتاج إلى سيارة والبنت لا تحتاج، وكذلك إذا وقع أحد الأولاد في مصيبة مثل ما إذا ترتب عليه دية بسبب حادث فيجوز للأب أن يسدد عن ولده، أو لحقه فقر أو دين يسدد عنه والده، وكذلك ألعاب الأطفال، فإنه لا شك أن الولد الصغير حاجته للألعاب ليس مثل الذي أكبر منه، ولو أنه اشترى لهم دراجات فلا شك أن دراجة الولد الأكبر ستكون أغلى من دراجة الولد الأصغر فمثل هذا لا بأس به، لأنه شيء موجود في أصل خلقتهم وفي طبيعتهم مختلفون.

وكذلك إذا أعطى لأحدهم في ظرف من الظروف مالاً، فينبغي أن ينوي أن الأولاد الآخرين لو مروا بنفس الظرف فإنه سيعطيهم مثلما أعطى أخاهم أو أختهم، ينوي أن يعطيهم في المستقبل، وكذلك فإذا أراد أن يعطي ولده الأكبر سيارة مثلاً، وليس عنده ما يعطي إخوانه الآخرين سيارات، والسيارة لقضاء أغراض البيت أو يذهب بها الولد إلى الجامعة ونحو ذلك، فإنه يجعلها عند ولده عارية، ولا يجعلها هبة للولد، تبقى باسم الأب، يقضي فيها الولد الكبير حاجاته، ويقضي حاجات البيت، وإلا فينبغي أن يساويهم في الأعطيات، نبهنا على هذا شيخنا عبد العزيز حفظه الله.

أيها الإخوة: العدل من شريعة الله، بنيت شريعة الله على العدل، فينبغي على المسلمين أن ينتبهوا لهذه الأمور، وإلا فإن الظلم مرتعه وخيم وعاقبته سيئة، والله لا يهمل الظالم، وإنما يمهله حتى إذا أخذه لم يفلته.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.