[آداب المجالس]
أيها الإخوة: مجالسنا فيها آفات تحتاج إلى إصلاح، ولابد من معرفة الآداب، ومعرفة طرق الإصلاح حتى نتمكن من الوصول بهذه المجالس إلى الجادة المستقيمة، وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم آداباً كثيرة للمجلس منها: قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما) فلا يجوز لك أن تدخل المجلس فتجلس بين اثنين إلا بعد أن تستأذن منهما؛ فإن أذنا لك وإلا فاجلس حيث ينتهي بك المجلس.
وكذلك من السنة أن يجلس الإنسان حيث انتهى به المجلس، ولا يأتي ويقيم إنساناً ويجلس مكانه، لأن هذا فيه نهي صريح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (لا يقيم الرجلُ الرجلَ من مجلسه فيجلس مكانه) لذلك كان ابن عمر -كما ورد في البخاري - إذا قام له إنسان من مجلسه لم يجلس فيه، بل يرفض ويذهب إلى مكان آخر ليجلس فيه.
وقال عليه الصلاة والسلام موضحاً أدباً آخر: (المجالس بالأمانات) أحياناً يدعوك إنسان إلى مجلس عنده، ويكون في هذا المجلس كلام خاص أو سر من أسرار هؤلاء القوم، فلا يجوز لك أن تذهب وتفشي أسرارهم، قد يتكلم عن أحوال بيته أو أسرته الداخلية، فلا يجوز لك أن تذهب في مجلس آخر وتفشي سر هذا الرجل وأهل بيته، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (المجالس بالأمانات) فيلزم فيها الستر على ما يقال ما دام لا يضر المسلمين.
وكذلك يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (خير المجالس أوسعها) لذلك يستحب توسيع المجلس؛ لأنه أكرم للضيف، وأصون لحاله، وأروح له في قيامه وقعوده وسيره، ويختلف هذا باختلاف أحوال الناس على غناهم وفقرهم، فإنه متى كان مستطيعاً فيستحب له توسعة مجلسه، والتفسح في المجالس أمر مطلوب إذا كان ضائقاً بالرجال وليس فيه مكان لداخل، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} [المجادلة:١١] لا بد من إيجاد الفسحة في القلب قبل إيجاد الفسحة في المكان، ومتى وجدت الفسحة في القلب لأخيك المسلم ومحبته فإنك سوف تفسح له تلقائياً، أما لو أبغضته وأبغضت أن يضايقك نوعاً ما؛ فإنك لن تفسح، ولو أفسحت فلن يكون عن طيب نفس وخاطر منك.
كذلك لا بد من ذكر كفارة المجلس إذا قام الإنسان، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه -حصلت منه أخطاء وزلات في الكلام- فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك) ماذا تريدون أكثر من هذا؟ هذا من رحمة الإسلام أيها الإخوة، يعطيك مجالاً لتصحيح الأخطاء يعطيك مجالاً لغفران الذنوب التي حصلت منك، هذه كلمات قليلة تقولها فتمحى الذنوب لعمر الله إنه لفضل عظيم! {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ} [البقرة:٢٤٣] الله يتفضل علينا بهذه الكفارات البسيطة، ونحن لا نأبه لها ولا نرعوي ولا نهتم بها.
وفقنا الله وإياكم للقيام بحقه في المجالس، وأن يجعل من مجالسنا مجالس خير وذكر له عز وجل، وصلى الله على نبينا محمد.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مالك يوم الدين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى سبيله القويم.
أيها الإخوة: ومن آداب المجلس كذلك: ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم كما ورد في الحديث الحسن: (كان إذا لقيه أحد من أصحابه فقام معه فلم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه، وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول يده ناوله إياها فلم ينزع يده منه حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده منه، وإذا لقي أحداً من أصحابه فتناول أذنه ناوله إياها فلم ينزعها حتى يكون الرجل هو الذين ينزعها عنه) رواه ابن سعد بإسناد حسن عن أنس، وهو في صحيح الجامع.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤدباً غاية الأدب، يحترم ضيوفه ويحترم جلساءه، إذا قام إنسان من المجلس لينصرف يقوم النبي صلى الله عليه وسلم يودعه، ويأخذ بيده ليصافحه، ولا يترك الرسول صلى الله عليه وسلم يد الضيف حتى ينصرف الضيف ويكون الضيف هو الذي ينزع يده من يد النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان الرسول جالساً في مجلس فأراد رجل أن يسر إليه بحديث، وأتى ليأخذ بأذن نبي الله صلى الله عليه وسلم، كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يعطيه أذنه وينصت حتى يفرغ الرجل، ولا يرجع الرسول صلى الله عليه وسلم رأسه ويبعد أذنه حتى يبعد ذلك الرجل فاه ويبعد رأسه الانتظار من الأدب، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يجب على الأمة كلها أن تتأدب معه، يفعل هذه الأفعال ليعلمنا آداب المجالسة وآداب الحديث.
بقي في هذا الموضوع بقية هامة: كيف ننتهز المجالس لتكون مجالس خير؟ ماذا يجب على الدعاة إلى الله وعلى الناس أن يفعلوا لكي يحولوا مجالسهم إلى مجالس خير؟ ما هو الموقف الصحيح للمسلم من المنكرات والاستهزءات وشتم الدين ونحو ذلك مما يحدث في المجالس؟ هذا ما سيكون بإذن الله تعالى موضوع خطبتنا القادمة، لأنني أحس وربما تحسون معي أن الاهتمام بأمر المجالس له دور عظيم، وله خطورة كبيرة، إذا صلح مجلسك صلحت أنت وصلح جلساؤك، وسترجع من المجلس إلى بيتك وأنت ممتلئ إيماناً وفائدة وعلماً خرجت به من ذلك المجلس فينعكس هذا على أهلك؛ لذلك كان لا بد من زيادة التوضيح والتعرض لمسائل هامة في هذا.
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لذلك.
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك، واجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين.
اللهم ارحم موتانا، واشف مرضانا، وفرج همومنا، ونفس كروبنا، واجعل مجالسنا مجالس خير يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك يوماً قريباً تعز فيه دينك، وتقر أعيننا فيه بنشر الإسلام والسنة يا رب العالمين.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.