[الشرك في علم الله]
ومن الشرك في الربوبية -أيضاً- الشرك في العلم، بأن يعتقد أن بعض الناس يعلمون مثل علم الله أو يشاركون الله في العلم الذي هو مختص به عز وجل كما جاء في كتاب المجالس المؤيدية قال -وهذا في عقيدة الإسماعيلية، والمؤلف هبة الله الشيرازي - يقول: الأئمة يعلمون من أمر المبدأ والمعاد ما حجبه الله عن كافة العباد.
وكذلك يقول الكليني في الكافي وهو من أهل الرفض وفيه تدليل على أن القوم مشركون شرك الربوبية في قضية علم الله، يقول وقد نسب الكلام إلى جعفر الصادق، وجعفر الصادق من أئمة أهل السنة وهو بريء من هذا الكلام، يقول: إن جعفراً قال: ورب الكعبة، ورب البيت لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما؛ ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما؛ لأن موسى والخضر عليهما السلام أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة، وقد ورثناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وراثةً! وينسبون إلى الحسن بن علي رضي الله عنه أنه قال: إنا نعلم المكنون والمخزون والمكتوم الذي لم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل غير محمد وذريته.
وهذه الفكرة -أيضاً- موجودة عند الصوفية الغلاة، ولذلك بينهم وبين أهل الرفض قرابة المذهب، أولاد عم في الأفكار والمعتقدات.
وهذا عبد الكريم الجيلي الصوفي صاحب كتاب " الإنسان الكامل " يزعم أنه كشف له عن حقائق الأمور من الأزل إلى الأبد، وأنه رأى جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة.
وهذا الشعراني صاحب الطبقات الكبرى ينقل عن شيخه الخواص أنه كان يعلم ما يكتب في اللوح المحفوظ ساعة فساعة.
ومما قاله المتصوفة: وينبغي لمن يريد: أن يعلم أو أن يعتقد بشيخه أنه يرى أحواله كلها كما يرى الأشياء في الزجاجة، وهذا الكلام في كتب التيجانية مثل كتاب " رماح حزب الرحيم في نحور حزب الرجيم ".
وكذلك فإن أهل السنة والجماعة يعتقدون أنه لا يعلم الغيب إلا الله، وهذا واضح من خلال الآيات: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} [هود:١٢٣].
{قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الكهف:٢٦] ما الفرق بين غيب السماوات والأرض له وبين له غيب السماوات والأرض؟ التخصيص، له غيب السماوات والأرض اختص به سبحانه وتعالى: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} [الأنعام:٥٠] وأولئك يقولون: ورثناها وراثة عنه، عن محمد صلى الله عليه وسلم! كذباً، ينسبون إلى الأئمة الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم أنهم ورثوه منه وراثة: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:٦٥] والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله) لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في الغيب إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحدٌ إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله.
وكذلك لما قال عز وجل: {عَالِمُ الْغَيْبِ} [الجن:٢٦] قال عن نفسه: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن:٢٦ - ٢٧] فإذاً: هذا بين أن الله عز وجل جعله خاصاً مختصاً بعلم الغيب، وأنه إذا أطلع رسولاً على شيء من الغيب لحكمة، مثلما أطلع الرسول صلى الله عليه وسلم مثلاً على بعض ما يكون عند قيام الساعة، فحدثنا به عليه الصلاة والسلام فيما يعرف بأشراط الساعة، وأطلعه على صنف محدود على شيء معين {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن:٢٦ - ٢٧] فيطلعه على أمرٍ معين وليس على كل شيء: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة:١٠٩] وقال عن نبيه: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام:٥٠].
فإذاً: من ادعى علم الغيب لنفسه أو لغيره فهو كافر مكذب بالقرآن، وقد قال الله لنبيه: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} [الأحقاف:٩] فهذه الأخبار قد جاءت في القرآن الكريم بهذا عن سائر الأنبياء، وأن إبراهيم عليه السلام لم يعلم بأنه يولد له ولد من زوجته سارة إلا بعد أن جاءته الملائكة في صورة بشر فلم يعرفهم، فذبح لهم عجلاً، ولم يكن يعرف مقصدهم حتى أخبروه أنهم يريدون أن يذهبوا لتدمير قرية قوم لوط، ولما جاءوا لوطاً ساءه ذلك ولم يعلم حق هؤلاء، وظن أنه قد ابتلي بهؤلاء الأضياف وكيف يدافع عنهم، ثم ما عرف الحقيقة إلا بعد أن أخبروه أنهم ملائكة، وأنهم جاءوا لإنجائه وإنجاء أهله من قومه.
إذاً: هو المختص بعلم الغيب عز وجل، ولو قيل: إنه سبحانه وتعالى قال: {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن:٢٧] فنقول: هذه في أمورٍ معينة، عند الله تعالى علم الغيب وحده، وبيده طرق الغيب لا يملكها إلا هو، فإذا شاء إطلاع أحد من خلقه من الرسل مثلاً على شيء من الغيب أطلعه عليه كأشراط الساعة، وأن بعض الصحابة في الجنة، وأحوال بعض أهل النار وأهل الجنة كما أطلعه عليها وقال: (رأيت صاحبة الهرة التي حبست هرتها في النار) أخبرنا بأمور من الغيب عن ربه عز وجل.
وأما بالنسبة للغيب فكل ما غاب عنك فهو غيب، فقد يكون في الماضي وقد يكون في الحاضر، مثل أشياء -الآن- في قاع المحيطات، وقد يكون في المستقبل، وهو الذي لا يعلمه إلا الله، فالماضي قد يعلمه بعض الناس، والحاضر يعلمه بعض الناس، ولذلك قضية الغيب للماضي والحاضر قضية نسبية، فبعض الناس يعلمون أشياء لا يعلمها آخرون من أخبار الماضي أو من أخبار الحاضر، أما المستقبل فلا يعلمه إلا الله عز وجل.
ولذلك لا بد من تمييز هذه القضايا لئلا يتسرع بعض سيئي الحكم على أشخاص آخرين بالكفر دون أن يكون هناك بنية شرعية؛ ولذلك الإمام ابن العربي المالكي رحمه الله لما علق على قضية مقامات الغيب للخلق التي لا يعلمها إلا الله، وأنه قد تفرد بعلمها، وأن من قال: إنه يعلم ما في الأرحام فهو كافر.
وعلم ما في الأرحام يشمل أنه يعلم هل هو شقي أو سعيد، ويعلم عمله ومتى يولد، وكم يوم بالضبط، هل يجهض؟ هل يموت؟ هل يولد ناقصاً أم يكمل المدة أو أنه لا يكمل المدة، أو يسقط جنيناً قبل أن يكتمل؟ كل ذلك لا يعلمه على الحقيقة إلا الله.
وبقيت قضايا معينة: مثلاً: هل هو ذكر أو أنثى مثلاً؟ هذه المسألة إذا كان فيها تجربة وقال الإنسان فيها بخبرته وتجربته، قال: من خبرتي وتجربتي أنها تحمل ذكراً.
فإن كان لهذا سبب واضح فلا نقول: هذا كافر يقول ابن العربي رحمه الله: والتجربة منها أن يقول الطبيب إذا كان الثدي الأيمن مسود الحلمة فهو ذكر، وإن كان ذلك في الثدي الأيسر -أي: مسود الحلمة- فهو أنثى، المهم عند بعض الأطباء تجربة وقد تكون صحيحة وقد تكون خطأ، وإن كانت المرأة تجد الجنب الأيمن أثقل فهو ذكر، وإن وجدت الجنب الأيسر أثقل فهو أنثى، فإذا ادعى أن هذه عادة وردت له من خلال تجربته، قال: لم نكفره ولم نفسقه، وأما من ادعى العلم في مستقبل العمر فهو كافر.
وكذلك الآن لو صورناه في الآلات بعد عمر معين ورأينا كذا لا يقال: هذا كافر؛ لأنه لا يخبر عن المستقبل إلا الله فإنه يخبر عما يراه بالأجهزة الآن، ثم قد يكون صادقاً وقد لا يكون، وقد حدث أن أخبروا رجلاً أن زوجته ستضع أنثى فذهب واشترى ملابس أنثى، ويوم ولدت جاء ذكراً، وكل الملابس التي اشتراها أصبحت لا تفيده.
إذاً: حتى هذه القضية ليس بالضرورة أنهم يخبرون بها على الوجه الدقيق، قد يخطئون وقد يقولون: لاف رجل على رجل، لم نعرف ما هو.
هذا عند الذين يصورون بجهاز الموجات.
قال صديق حسن خان رحمه الله: فمن اعتقد في نبي أو ولي أو جن أو إمام أو ولد الإمام أو شيخ أو شهيد أو منجم أو رمال أو جفار أو فاتح فأل أو برهم أو خبيث أن له مثل هذا العلم وهو يعلم الغيب فهو مشرك بالله، وعقيدته من أبطل الباطلات وأكذب المكذوبات.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: والمقصود من هذا أن يدعي معرفة علم الشيء من المغيبات، فهو إما داخل في حكم الكاهن وإما مشارك له في المعنى فيلحق به.