ومن الأخطاء العظيمة في علاج هذا الأمر: مجابهة الشخص على أنه كافرٌ أو مرتد، لا يسلم عليه، ولا ينظر إليه، وتجب مقاطعته وعدم زيارته، وألا يدعى إلى أية مناسبة، وألا تجاب دعوته، هذه من الأخطاء العظيمة؛ لأن هذا الشخص مسكين، كما يقول أحد السلف: أخي المذنب أحوج إلي من أخي المطيع، ذاك محتاج إليه فعلاً، يحتاج أن أمد إليه يد العون، ولذلك فإننا ننبه إخواننا في الله على خطورة الاستقبال السيئ الذي قد يستقبل به هذا الشخص إذا تغير، فأنت إذا تغير عليك لا تتغير عليه؛ لأن تغيرك عليه قد يقطع الخيط الأخير الذي قد يكون أملاً في رجوعه.
وهناك حديثٌ لطيف وجميل جداً: هو أن أحد الأعراب جاء وسأل الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعطيه عطايا والرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه شيئاً، فقال له: أحسنت إليك، قال: لا أحسنت ولا أجملت، فالصحابة هموا ليفتكوا به، واحد يقول للرسول صلى الله عليه وسلم هذا الكلام، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: دعوه، فدخل إلى بيته عليه الصلاة والسلام فأخرج عطايا أخرى وأعطاها للرجل، ثم سأله مرة أخرى: أحسنت إليك، قال: نعم جزاك الله خيراً ومن أهل ومن عشيرة.
الآن هؤلاء الأعراب هذه أخلاقهم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم للأعرابي: أنت قلت ما قلت بالأمس وسمعك أصحابي، ولو أنك غداً قلت لهم هذا الكلام الذي قلته لي الآن أمام الناس الذين قلت لهم العكس، هذا طبعاً علاج حكيم من الرسول صلى الله عليه وسلم لنفوس أصحابه حتى يشفي صدورهم من حال أخيهم المخطئ، فمن الحكمة أن يشفي صدورهم من حاله، حتى لا يبقى في نفسهم شيء عليه.
ففي اليوم التالي جاء الأعرابي وسأله الرسول صلى الله عليه وسلم فقال الرجل: جزاك الله من خيرٍ ومن أهلٍ ومن عشيرةٍ، أنت أعطيتني وأكرمتني، فالصحابة سروا بهذا الكلام، فقال عليه الصلاة والسلام:(مثلي ومثل هذا كمثل رجلٍ له ناقةٌ شردت عليه) الآن أنت الآن اربط بين الموضوع الذي نتكلم فيه وهذا المثل النبوي، نتكلم الآن في موضوع شخص شرد عن الحق، كيف يرجع، كيف يعاد يقول عليه السلام:(مثلي ومثل هذا كمثل رجل له ناقة شردت عليه فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفوراً، فقال لهم: خلوا بيني وبين ناقتي، فإني أرفق بها منكم وأعلم، فتوجه بين يديها -يعني: بحيث أنها تراه- فأخذ من قمام الأرض فردها حتى جاءت واستناخت وشد عليها رحلها واستوى عليها، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار) لأنه سب الرسول صلى الله عليه وسلم.
فأنتم الآن أيها الإخوة انظروا معي في هذا العلاج الرفيق، وكيف يعاد الشارد، لا يعاد الشارد بالعدو والجري وراءه، والإصرار والرجل لا يريد، وإنما تكون القضية برفق وبهدوء، وبتقديم الأشياء الجذابة التي تعيده، وإذا عاد لا يلقى عليه فجأة هذا الرحل، وإنما يعاد فيبرك ويستريح ويعاد إليه الرحل ويشد عليه، ثم يركبه صاحب الناقة عند ذلك.
إذاً: المسألة خطوات وحكمة ورفق وعلم، والرجل قال: فإني أرفق بها منكم وأعلم.