ما هو التصعيد؟ هو تحويل تطلعات الشخص من الأشياء الدنيئة إلى الأشياء العالية، ومن الأشياء الصغيرة التافهة إلى كبار الأمور، فمثلاً يقول الله عز وجل:{وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}[طه:١٣١] لا تشغل نفسك بالصغائر والتراهات، وجمع الأموال والركض وراء الدنيا؛ لأن هذه أشياء تبلى، والزهرة تموت وتذبل، هذه فتنة نفتنهم فيها، وقال:{وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[طه:١٣١] صعد في نفسه الاهتمام من الأشياء الدنيئة وهي زهرة الحياة الدنيا، وما متعنا به أزواجاً منهم إلى:((وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى)) ولذلك التربية من الأشياء التي فعلها عليه الصلاة والسلام في نفوس أصحابه الدالة على عظم تربيته لهم، أنهم كانوا أناساً هممهم تافهة كانوا منشغلين في الجاهلية بالخمر، والنساء، والحروب، ودفن البنات، والنوادي، والمنتديات، والكلام الفارغ التافه، ليس عندهم هدف، فصاروا بعد الإسلام قادة في العالم، فكان منهم الفاتحون والقدوات والعلماء والحكماء، لقد نقل الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة من اهتمامات دنيئة في الجاهلية إلى معالي الأمور والتطلع نحو قيادة العالم.
وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام
أنت إذا كان عندك أهداف وطموحات تسعى لها حسب طموحاتك، بعض الناس يقول: أنا أريد أن أكون مدير الشركة، هذه طموحاتي، أنا أريد أن أكون دكتوراً، فتنصرف أعمالهم في هذا الشيء، ولو أنهم وضعوها في طلب العلم وفي الجهاد وفي الدعوة، لاهتدى على أيديهم خلق كثير وحفظ آيات وأحاديث بمعانيها وتعلم أحكام، وجاهد في الله فأبلى بلاءً حسناً، فيكون قد صعدت في نفسه الاهتمامات بالأشياء الدنيئة إلى مستوى عالٍ في الاهتمام بالأمور العظيمة.
وهذا الأمر فيه وسائل مثل التشويق والتحبيب والتحسين والتزيين والممارسة، انظر -مثلاً- في قول الله عز وجل لما حدثت حادثة الإفك وتكلم في عائشة من تكلم، وكان ممن تكلم غلام لـ أبي بكر اسمه مسطح بن أثاثة، تكلم في عائشة، وعندما نزلت براءة عائشة غضب أبو بكر ومنع وقطع النفقة عن مسطح عقاباً له، فنزل قول الله عز وجل:{وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}[النور:٢٢] فـ أبو بكر الصديق رضي الله عنه لما رأى المسألة فيها ألا تحبون أن يغفر الله لكم قال: [بلى يا رب! أنا أحب أن تغفر لي] انتقلت القضية في نفسه من الانتقام من هذا الشخص إلى شيء أعلى وهو الحلم والعفو عمن ظلمك والإحسان لمن أساء إليك، فارتفعت المسألة بهذا الأسلوب وهو ألا تحبون أن يغفر الله لكم.