للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التذرع بعدم وجود البديل المباح]

وقد يتذرع بعض الناس في تلكئهم بعدم تنفيذ الحكم بعدم وجود البديل، ويقولون: هات البديل؟ والحمد لله أن الله عز وجل ما حرم شيئاً إلا وجعل من الحلال من جنسه ما هو أكثر منه ويفوقه، فعندما حرمت الشريعة الخمر أباحت من المشروبات ما لا عد له ولا حصر، وعندما حرمت لبس الحرير على الرجال ولبس الذهب، أباحت لهم من الملابس ما لا حصر له ولا عد، وأباحت خاتم الفضة للرجل مقابل خاتم الذهب المحرم؛ لأن الشارع يعلم حاجة الناس إلى التزين، وعندما حرمت الشريعة الربا أباحت البيوع بأنواعها مما لا حصر له ولا عد من وجوه المكاسب المختلفة، فبدل أن تكسب من الربا جعل لك البيع بأنواعه: المعجل والمؤجل بشروطه، وبيع السلم بشروطه، والمعاوضة، والمعاطاة، والمزاد، والأمانة، ثم من المكاسب: الإجارة، والجعالة، والوكالة بالمقابل وغير ذلك مما تأخذ عليه أجراً.

فلما حرمت الشريعة وحرمت وحرمت؛ جعلت هناك من الحلال من جنسه ما هو أكثر منه ويفوقه.

ثم إن البدائل عن سائر الأشياء قد تتوفر في الواقع، وقد لا تتوفر من تقصير المسلمين وليس من قصور الشريعة، وفي مسألة البديل يشاغب بعض الناس فيقولون في مسألة الموسيقى والألحان مثلاً: ما هو البديل؟ فإذا قلنا: بديل سماع الألحان هو سماع القرآن، فيقول: لا.

سماع القرآن ثقيل على النفس، أما سماع الألحان خفيف ولذيذ ومطرب، فليس هذا من هذا، فنقول: ما هو إلا الهوى والله، وإلا فقل أيضاً: إن الزنا له لذة، وعندما يزني بعشرات النسوة ليس كهذه الزوجة التي قد صارت مملةً.

فنقول: قد لبت الشريعة ذلك بالتعدد والتسري وملك اليمين، وكون الحرام له لذة من تزيين إبليس لا يعني أن الزواج ليس بديلاً؛ لكن يعني أن الفطرة قد أصبحت منتكسة، فالبديل الذي يلبي حاجة النفس موجود في الشريعة، لكن البديل الذي يلبي هوى النفس دائماً هذا الذي يريده هؤلاء العصاة.

فنقول: هذا البديل موجود في الجنة، سماع غناء الحور العين، سماع غناء النساء في الجنة، ولبس الحرير والذهب لك في الجنة، فإن العوض سيأتي بعد قليل، اصبر: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:٢٠].

وعندما يقول بعض الناس: نريد أن نُؤَمِّن؛ لأن التأمين قد صار حاجة، والحوادث قد كثرت، فنحن مضطرون للتأمين ولا يوجد له بديل.

نقول: إن التأمين التعاوني هو البديل، وهو أن يدفع هؤلاء المشتركون مبالغ توضع في صندوق يستثمر أو لا يستثمر، ويتراضون بينهم على أن يعوض من أصيب من هذا الصندوق التعاوني، ولا يكون هذا المال في الصندوق ملكاً لشركة أو لطرف ثالثٍ يأخذه لنفسه ثم يعطيك إذا حصل لك، ويضيع مالك إذا لم يحصل لك كما هو التأمين المحرم، وهذا هو الميسر والقمار بعينه.

فإذا وجد التأمين التعاوني بتعاون المسلمين فالحمد لله، وإذا لم يوجد البديل بسبب تقصير المسلمين فما هو الحل وما هو المخرج؟

الجواب

لا بد من الصبر حينئذٍ على هذا البلاء، ووفر نقودك واشتراكاتك في شركة التأمين حتى إذا حصل لك شيء تأخذ من الرصيد، وربما تكتشف أنك كنت على ربح عظيم، فإذا لم يوجد بديل من جراء تقصير المسلمين، فلا بد أن نصبر ولا نقول: نحن مضطرون لارتكاب الحرام.

إن الاضطرار موضعه عندما يكره الشخص على الشيء، ولا بد له منه ولا مخرج له إلا به، ولا مندوحة عنه لديه، ولا يستطيع أن يترك القضية ولا أن يتلافاها، ويجبر عليها من الخارج، فهذه المسألة مسألة اضطرار، والله سبحانه وتعالى لا يؤاخذ عليها، كما لو كان في بلد يمنع من القيادة فيه إلا بالتأمين ويكره على ذلك، فهذه مسألة اضطرار، أما أن يختار التأمين اختياراً فليس باضطرار، ولابد أن يصبر ويؤمن بقضاء الله وقدره، ويتوكل على الله عز وجل، وإذا حصل شيء كان الرضا بالمكتوب هو المفروض أن يقع، أما أن يقال: نحتاط بالتأمين المحرم، فلا وألف لا أيها الإخوة، إن وجد الحلال أخذنا به والحمد لله، وإن لم يوجد صبرنا.