[اختلاف أثر المصيبة على المؤمن عن الكافر]
الحمد لله إله الأولين والآخرين، ورب السماوات والأرضين، لا إله إلا هو يفعل ما يشاء سبحانه وتعالى خلق فسوى، وقدر فهدى، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون، فعال لما يريد سبحانه وتعالى، يحكم ما يشاء، ويفعل ما يريد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الرحمة المهداة، والسراج المنير، والبشير النذير، وأشهد أنه رسول الله حقاً والداعي إلى سبيله صدقاً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: إن أثر وقوع المصيبة على المؤمن يختلف تمام الاختلاف عن الكافر، ولنأخذ حال امرأة كانت في جاهليتها كافرة وقعت عليها مصيبة، ولما صارت مؤمنة في الإسلام وقعت عليها مصائب فاختلف حالها في إسلامها عن حالها لما كانت كافرة، تلك المرأة هي الخنساء؛ التي فقدت في جاهليتها أخاها لأبيها فقط وهو صخر فملأت الآفاق عليه بكاء وعويلاً، ونياحة وشعراً حزيناً حتى قالت:
يذكرني طلوع الشمس صخراً وأذكره بكل غروب شمس
ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي
هذه المرأة هي نفسها المرأة التي أسلمت وحضرت حرب القادسية مع أبنائها الأربعة فجلست إليهم في تلك الليلة الحاسمة تقول لهم: يا بني! إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رحم واحد، كما أنكم بنو رجل واحد، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم، ولا غيرت نسبكم وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية والله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:٢٠٠] فإذا أصبحتم غداً إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائكم مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها تظفروا بالغُنم في دار الخلد.
فلما أصبحوا باشروا القتال بقلوب فتية، وأنوف حمية، تدفعهم وصية أمهم بموعود ربهم إذا فتر أحدهم ذكره إخوته وصية العجوز فزأر كالليث، وانطلق كالسهم، وانقض كالصاعقة حتى استشهدوا واحداً بعد واحد، فبلغ الأم نعي أولادها الأربعة فلم تلطم خداً، ولم تشق جيباً، ولم تطلق صيحة، ولا نياحة، ولكنها استقبلت النبأ بإيمان الصابرين وفضل المؤمنين فقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني معهم في مستقر رحمته.
أيها أشق على النفس: الأخ لأب أم الأولاد الأربعة؟ الواحد أم الأربعة؟ ومع ذلك كان للمرأة موقف آخر يختلف تمام الاختلاف عن الموقف السابق.
فما الذي تغير أيها الإخوة؟ تغير شيء واحد -أيها الإخوان- إنها النقلة من الكفر إلى الإسلام، ومن الجاهلية إلى الإيمان، ولذلك كان الكفر يأساً وكان الإسلام أملاً.
الإيمان أمل بالله تعالى وهو الذي يجعل المسلم يطلب من ربه ويرجو رحمة ربه.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل الإيمان، اللهم زد إيماننا، اللهم زدنا إيماناً وتقى وتوكلاً عليك يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك الأمن يوم الوعيد، اللهم إنا نسألك دخول جنة الخلود، اللهم اجعلنا يوم القيامة من الآمنين الركع السجود، اللهم إنا نسألك أن تقضي ديوننا، وتفرج همومنا، وتشفي مرضانا، وترحم موتانا، وتستر عيوبنا، اللهم إنا نسألك أن تكبت عدونا، اللهم دمر اليهود والنصارى واجعلها عليهم ناراً ودماراً، اللهم إنهم تمالئوا على حرب الإسلام فاكبتهم واجعل تخطيطهم تدميراً عليهم، اللهم قيض لهم من عبادك المسلمين من ينصر المسلمين عليهم يا رب العالمين، اللهم قيض من عبادك الأخيار من يقود المسلمين لجهاد الكفار ويحقق النصر يا أرحم الراحمين، اللهم عجل فرجنا يا رب العالمين.
إخواني: إذا كنا مقبلين على عيد من أعياد الكفار، فإننا نذكر أنفسنا بعدم جواز مشاركتهم مطلقاً، لا الهلوين ولا الكرسمس ولا غيرها فإنها من عقيدتهم ونحن لنا عقيدتنا وإذا كان لهم دينهم فلنا ديننا {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:٦].
ومن قدر الله أنه سيوافق دخول رمضان هذه السنة عيدهم الأكبر الذي سيكون، فسننظر كيف يعمل المسلمون حين يتعارض دخول رمضان في عبادته وجلاله مع ما يفعلونه من الكفر والفسق في عيدهم.
وهذه مناسبة تمحيص كما قلنا في الخطبة الماضية، فلننظر إلى أي الفريقين سيميل المائلون.