وكما أن هناك شركاً في الربوبية فهناك شرك في الألوهية، على هذا قاتلت الأنبياء، فاعتقاد ألوهية غير الله عز وجل يناقض قول القلب، وينقل صاحبه من الإسلام إلى الكفر، وصرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله شرك في الألوهية، وابن القيم رحمة الله عليه عند كلامه عن الشرك، قال: الشرك شركان: شرك يتعلق بذات المعبود وأسمائه وأفعاله، وهذا شرك الربوبية، وشرك في عبادته ومعاملته، وهذا شرك الألوهية، وإن كان صاحبه يعتقد أنه سبحانه لا شريك له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، والشرك الأول -وهو الشرك الذي يتعلق بالمعبود في ذاته وصفاته- نوعان: شرك التعطيل: وهو أقبح أنواع الشرك كشرك فرعون، قال:{وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:٢٣] لا يوجد: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}[النازعات:٢٤].
والنوع الثاني: شرك من جعل معه إلهاً آخر ولم يعطل أسماءه وربوبيته وصفاته، ما عطلها تعطيلاً كما يفعل الملاحدة والجاحدون لله كفرعون، لكن يشركون معه كشرك النصارى الذين جعلوه ثالث ثلاثة، فجعلوا المسيح إلهاً وأمه إلهاً، وكذلك شرك المجوس الذين يسندون حوادث الخير إلى النور وحوادث الشر إلى الظلمة، وكذلك شرك القدرية الذين يقولون: كل يخلق أفعاله بنفسه، الله لا يخلق أفعال العباد، من الذي يخلقها؟ قالوا: كل شخص يخلق أفعاله بنفسه، فهؤلاء مشركون أيضاً بالربوبية.
كذلك مشركو الصابئة الذين يشركون بالكواكب العلويات، وأن لها أشياء في التدبير، فهؤلاء مشركون شركاً أكبر في الربوبية.
النوع الثاني: شرك الألوهية الذي يتعلق بالعبادة، وهو صرف العبادة لغير الله تعالى.
وقلنا سابقاً: إن أكثر البشر لم ينكروا توحيد الربوبية -أي: أنكروا وجود الله- لكن أشركوا معه غيره.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ولم نعلم أن أحداً من الخلق لم يزعم أن الأنبياء والأحبار والرهبان أو المسيح بن مريم شاركوا الله في خلق السماوات والأرض، ولا زعم أحد من الناس أن العالم له صانعان متكافئان في الصفات والأفعال، لكن أين حصل الشرك؟ في الألوهية، أكثر الشرك حصل في الألوهية، ولكن ينبغي أن نعلم أن هناك شركاً في الربوبية ضربنا له أمثلة حتى لا يعلم فقط أن القضية في صرف سجود أو نذر أو خوف أو رجاء لا، والمسألة فيها حتى في الربوبية أنواع من الشرك.