للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة ابن مهدي مع تلميذه ابن المديني]

ومن سعة علم عبد الرحمن بن مهدي -رحمه الله- القصة العجيبة التي جاءت لتلميذه علي بن المديني، وقد ذكرنا طرفاً منها في ترجمة علي بن المديني.

قال علي بن المديني: قدمتُ الكوفة، فعُنِيْتُ بحديث الأعمش -أي: جعلت أتتبع حديث الأعمش حديثاً حديثاً، أيُّ واحدٍ عنده حديث عن الأعمش، أذهب إليه وأسمعه منه- فجمعتها -أي: جمعت أحاديث الأعمش - حتى ظننت أني قد استكملت أحاديث الأعمش، فلما قدمتُ البصرة، لقيتُ عبد الرحمن -أي: ابن مهدي، شيخه- فسلمت عليه، فقال: هات يا علي ما عندك.

فقلت: لا أحد يفيدني عن الأعمش شيئاً، يقول لشيخه عبد الرحمن بن مهدي بكل ثقة من كثرة جمعه لأحاديث الأعمش: أنا وصلت إلى مرتبة لا أحد يفيدني في أحاديث الأعمش شيئاً، أي شيء ستقوله لي قد سمعته، جمعته وانتهيت، لا جديد يؤتى إليَّ من أحاديث الأعمش.

قال: فغضب عبد الرحمن بن مهدي -وهذه تربية الشيخ للتلميذ- وقال: أهذا كلام أهل العلم؟! أن يقول الرجل: انتهى العلم، وختمتُ العلم الفلاني، ولا أحد يستطيع أن يفيديني شيئاً؟! ومَن يضبط العلم، ومَن يحيط به؟! مثلك يتكلم بهذا؟ قلت: نعم.

قال: اكتب.

قلت: ذاكرني فلعله عندي، أي: أعطني طرف الحديث شفوياً، فربما يكون عندي فلا أحتاج إلى أن أكتب وأخرج الكرَّاس والأقلام.

قال: اكتب، لستُ أملي عليك إلا ما ليس عندك.

قال: فأملى عليَّ ثلاثين حديثاً من أحاديث الأعمش لم أسمع منها حديثاً.

ولذلك ورد في الرواية الأخرى، قال: فجعلتُ أتعجب من معرفته بما ليس عندي، مع أنه لم يسرد عليه أحاديث الأعمش التي عنده، فأملى عليَّ ثلاثين حديثاً لم أسمع منها حديثاً.

ثم قال: لا تعد.

قلت: لا أعود.

وهذا تربية من عبد الرحمن بن مهدي لـ علي بن المديني.