وقلت سابقاً: إن بعض الناس يريهم الله رؤيا في المنام تكون سبباً في هدايتهم، قد يرى أن يوم القيامة قد قام، وأن الناس بعثوا من القبور، أو يرى نفسه في القبر، أو نحو ذلك، فيفزع، فتكون تلك الرؤيا تنبيهاً من الله عز وجل، ودافعاً له للعودة والتوبة.
يقول هذا الأخ: كنا جلوساً ذات يوم أنا وأهلي بعد صلاة الظهر، وكان أخي نائماً، وبينما كنا كذلك، إذا بأخي ينتفض ويرتعش ويعرق وهو لا يزال نائماً، فلم نعرف ما أصابه، فأرقنا عليه الماء، وحملناه إلى سريره، ولكن حاله لم تتغير من الاضطراب والانتفاض والعرق، فحملناه إلى المستشفى ظناً منا أنه مريض، ولما صار في السيارة استيقظ، وقال: أرجعوني إلى البيت لست مريضاً، وبعد فترة سكنت نفسه وذهب ما به، وعندما سري عنه، سألناه عما به، فقال: إنه قد رأى في المنام النار وأشياء من الأهوال، فخاف منها خوفاً شديداً، فلذلك ظهر عليه ما ظهر وهو في النوم، وبعد هذه الرؤيا استقام أمره وتغير حاله بعد فسقه، ورجع إلى الله.
هذه أمثلة من حوادث واقعية من الله عز وجل مباشرة، لم يكن فيها سبب بشري، وواجبنا -كما قلت أيها الإخوة- أن نسارع باحتضان مثل هؤلاء الأشخاص، يقع لأحدهم حادث في السيارة قد يموت من معه من رفقاء السوء وينجو هو، أو يموت صاحب له تربطه به علاقة قوية بإبرة مخدرات ويفارقه ذلك النديم، فتحدث له صدمةٌ ترشده، وهزةٌ توقظه فيرجع، فينبغي المسارعة إذا رأى الإنسان حالة من هذه حادث حصل أمامه، يسارع الآن في الضرب على الحديد وهو ساخن، فطرق الحديد وهو ساخن يطوع الحديد ويؤثر فيه فيتشكل، ولذلك الموعظة بعد الحادث مباشرة، مثلاً: عند المرض الشخص يكون في حال من التأثر الشديد، وهنا تكون النصيحة لها موقعها، يصاب بمرض شديد، يدخل المستشفى إلى غرفة الإنعاش إلى مرض خطير إلى تقارير طبية سيئة إلى كلام عن احتمال الوفاة يتغير الشخص، ويعاهد ربه على عدم العودة إذا كتبت له الحياة، هنا يحتاج إلى زيارة وتذكير وإحاطة به بعد خروجه، ويكفي الحالة التي يكون عليها هذا الشخص، أو من أصابه حادث لكي يكون الوقت مناسباً جداً للنصح.
كنت أسير مع أخٍ لي في سيارته في أحد الطرق السريعة بقرب المدينة، وبينما نحن نسير في الجانب الآخر كانت هناك سيارة قادمة مسرعة، وفجأة خرجت السيارة عن مسارها، ودخلت في الجزيرة التي هي بين الشارعين الرئيسيين، وتقلبت عدة مرات، وارتفع الغبار حتى غطى مكان الحادث، ما عدنا نرى شيئاً مطلقاً من الغبار المنبعث إلا أنني رأيت باب السيارة يتقلب حتى وصل إلى إسفلت الشارع، وإطار من إطاراتها يمشي حتى عبر الشارع وخط المساندة، ودخل في الرصيف المقابل، فأسرعنا إليهم، فلما انجلى الغبار، رأينا أربعة أشخاص يخرجون من نوافذ السيارة، وهم الذين كانوا بها، لطف الله بهم؛ لأن الرمل ثبت السيارة بعد تقلبها، فثبتت وصار سقفها إلى الأسفل وعجلاتها إلى الأعلى، وهم يخرجون كالمتسللين من هذه الشبابيك المكسرة الزجاج، ما هي العلامات التي كانت على وجوههم؟ القترة والغبار وجروح وخدوش، وهذا يعرج، وهذا يئن من الألم، فجلسوا على حافة الطريق، وهم مستغرقون في الدهشة؛ لأن الحادث -أيها الإخوة- إذا صار في ثوانٍ، يفاجئ به الشخص أيما مفاجأة، وكان هناك صوت شريط بالغناء ينبعث من السيارة لا زال يعمل، فلما رآنا هذا الشخص أنا قدمنا عليهم، قال: أغلق هذا، الله يلعن هذه الموسيقى، يعني: تدارك الأمر، يعني: استحيا، كأنه عرف أننا سنقول له: تصور لو كانت نهايتك في هذا الحادث على سماع هذا الشريط.
المهم أن تلك اللحظة لحظة مواساة، قد لا يكون مناسباً أن ينزل عليهم الشخص بالتقريع والتوبيخ، هذه حالة مواساة، لكن يكون معها شيء من التذكير والوعظ، ويقول الإنسان مثلاً لهم: ربما كان هذا نذير من الله سبحانه وتعالى، وتكون هذه فرصة لكم، عودوا إلى الله، ونحو ذلك.
المهم أن تلك اللحظات ينبغي أن تستغل، هذا هو الدرس الكبير الذي نخرج فيه من هذه المسألة، عيادة المريض الكافر مشروعة ليدعى إلى الله، عاد النبي صلى الله عليه وسلم كفاراً في حال مرضهم، وكتب لبعضهم الهداية على يده صلى الله عليه وسلم، لأن هذه الحال حال تأثر، ومن الأشياء التي يكون هناك فيها تقبل من قبل أشخاص حالات كثيرة، وهذه الحالات تنبئ عن أمور ينبغي الاهتمام لها من قبل الدعاة إلى الله عز وجل.
هذه قصة رجل كان منهمكاً في المعاصي وكان يعمل في أحد المقاهي، وكان يعرف نساء، فيحضر لهن رجالاً للزنا، وهو يفعل الفاحشة كذلك، حتى أصيب يوماً بمرض، فابتعد عن العمل، وابتعد عن المقهى، وكان لا ينام الليل، وفي يوم دعاه شخص من الساكنين معه إلى الصلاة، فذهب معه لصلاة العشاء، وبعد الصلاة قام أحد الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى بإعطاء الحاضرين بعض الرسائل الإسلامية الصغيرة، فأخذ منها رسالةً، فوضعها عنده، وفي ليلة لم يأته النوم فيها، قام ورأى هذا الكتاب فأخذه ليقرأه، وبعد قراءته أحس براحة تامة، واستمر كذلك يقرأ الكتب النافعة، واتجه إلى الله سبحانه وتعالى، وحفظ القرآن في سنة، ثم ذهب إلى منطقته وتزوج، وهو الآن إمام أحد المساجد بأحد المدن، ما هو الدرس الذي نأخذه نحن؟ أن إيصال الوسائل التي فيها التأثير أمرٌ مطلوبٌ من الدعاة إلى الله، إيصال الأشرطة الطيبة والكتب النافعة إلى الناس مطلوب، صحيح أن بعضهم يأخذها ولا يقرؤها، وبعضهم يجامل ويقول: شكراً شكراً ويأخذ الكتب، لكن ربما في يوم من الأيام هو أو غيره يقرأ هذا الكتاب المرمي في البيت، أو يسمع هذا الشريط المرمي في السيارة، ولذلك ينبغي علينا الجد والاجتهاد في ذلك.