للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بداية ارتفاع محنة خلق القرآن]

ورد كتاب المتوكل برفع المحنة بعد الواثق، وكان من الأسباب التي أدت إلى رفع المحنة مناظرة جرت بين يدَي الواثق، فمنها رأى الواثق ترك الامتحان، لكنه كان لا يزال على القول بخلق القرآن، لكن ترك امتحان الناس بسبب حادثة حصلت، قيل: إنه جيء له بشيخ مقيد، فأذِن الواثق لـ أحمد بن أبي دؤاد بمناظرة هذا الشيخ، فقال أحمد بن أبي دؤاد: يا شيخ! ما تقول في القرآن؟ قال الشيخ: لم تنصفنِ، ولِّنِي السؤال -لماذا أنت تبدأ بالسؤال؟ أنا أبدأ بالسؤال.

قال: سَل.

فقال له الشيخ: ما تقول في القرآن؟ قال: مخلوق.

قال: هذا شيء علمه النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي أم لم يعلموه؟ فقال: شيء لم يعلموه.

فقال: سبحان الله! شيء لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي، وعلمتَه أنت؟! قال: فخجل، وقال: أقِلْني، أي: أعطني فرصة أسحب جوابي.

فأعاد عليه السؤال، قال: ما تقول في خلق القرآن؟ قال: مخلوق.

قال: أهذا شيء علمه النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من بعده، أم لم يعلموه؟ قال: علِموه ولم يدعوا الناس إليه.

لأن هذه ورطة، لأنه لو قال: ما علِموه، معناها: أن هذا صار أعلم من النبي عليه الصلاة والسلام؟! وإذا قال: علِموه، سيكون السؤال الذي بعده: حسناً: هل دعوا الناس إليه، وامتحنوا الناس عليه؟ فيكون

الجواب

لا.

فلذلك ابن أبي دؤاد جاء بالجواب في فقرتين، فقال: علِموه ولم يدعوا الناس إليه.

فقال: أفلا وسعك ما وسعهم؟ جميلٌ! علموه؟! حسناً! لكن ألا يسعك ما وسعهم؟! إذا هم تركوا امتحان الناس عليه، أما تفعل مثلهم تترك امتحان الناس عليه؟! ثم قام الواثق، فدخل المجلس -مجلس الخلوة- واستلقى على قفاه، وهو يقول: هذا شيء لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي، علمتَه أنت! سبحان الله! ويكرر ما قاله الشيخ المقيد، ثم أمر برفع القيود عنه وإعطائه أربعمائة دينار، وأذن له في الرجوع، وسقط من عينيه ابن أبي دؤاد، ولم يمتحن بعد ذلك أحداً في هذه القضية.

كانت هذه المناظرة هي بداية انفكاك المحنة.

ثم جاء بعد الواثق المتوكل، والمتوكل رجع إلى قول أهل السنة، وأظهر قول أهل السنة أن القرآن منزل غير مخلوق، وكُشفت الغمة عن الناس، وأظهر برفع الإمام أحمد رحمه الله، ورجع كل شيء إلى ما كان عليه، فحمد الناس المتوكل رحمه الله لذلك الفعل.

والكلام سيكون هو موقف ابن المديني في هذه المحنة، والاعتذار عنه بما حصل.