قال علي بن المديني: دخلتُ على امرأة عبد الرحمن بن مهدي بعد وفاته، وكان من إخلاص علي بن المديني لشيخه عبد الرحمن أنه كان يزور أهله بعد وفاة الشيخ، يزور تلك المرأة الكبيرة زوجة شيخه ويتفقدهم، وهذا ولا شك أن من الوفاء للشيخ أن يُزار أهلُه بعد رحيله، ويُتَفَقَّد أولاده، وماذا يحتاجون، وهذا من حسن العهد، والنبي عليه الصلاة والسلام كان حسن العهد، من كان له به ارتباط سابق؛ فإنه لا يزال يكرمه أو يكرم أصحابه وأهله ونحو ذلك.
قال ابن المديني: دخلت على امرأة عبد الرحمن بن مهدي، وكنت أزورها بعد موته، فرأيت سواداً في القبلة، فقلت: ما هذا؟ قالت: موضع استراحة عبد الرحمن، كان يصلي بالليل، فإذا غلبه النوم، وضع جبهته عليها، أي: إذا غلبه النوم، اتكأ بجبهته على هذا الموضع من الجدار، فلذلك تراه أسوداً مما يعلق بالجدار من ذلك الاتكاء.
وهذا يعني أنه -رحمه الله- ما كان ينام ويستغرق في النوم، بل إنه يأخذ إغفاءة وهو متكئ، ويضع جبهته على الجدار، حتى إذا ارتاح قليلاً، عاد للقيام رحمه الله تعالى.
وهكذا يُبْنَى الإيمان وقواعد الأدب في نفس الطالب بحسب ما يرى من حياة شيخه القدوة.