للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال أهل النار]

توضع في أعناقهم حبال النار كامرأة أبي لهب، ويجرون أمعاءهم فيها كـ عمرو بن عامر الخزاعي تسود وجوههم {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنْ اللَّيْلِ مُظْلِماً} [يونس:٢٨] ((تَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ النَّارُ)) [المؤمنون:١٠٤].

{وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [العنكبوت:٥٤] {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف:٤١] فراشهم من النار، ولحافهم من النار، ما طعامهم؟ {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية:٦ - ٧] {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} [الدخان:٤٣ - ٤٦] {وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً} [المزمل:١٣] فإذا غصوا بهذا الشوك والزقوم الذي أكلوه، ماذا يكون لهم من الشراب؟ هذا الزقوم- أيها الإخوة- الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه، قال عليه الصلاة والسلام: (لو أن قطرةً من الزقوم قطرت في دار الدنيا، لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم) فكيف بمن تكون طعامه؟ فكيف بمن يكون الزقوم طعامه دائماً وأبداً؟ فإذا غصوا بهذا الزقوم، فما شرابهم الذي يستعينون فيه على بلع اللقم؟ {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:١٥] حميماً متناهياً في الحرارة: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف:٢٩] مهلاً كعكر الزيت المغلي، {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} [ص:٥٧] حميمٌ وغساقٌ وما سال من جلود أهل النار من قيحهم وصديدهم، وما يخرج من فروج الزناة والزواني من النتن: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ} [إبراهيم:١٦ - ١٧] {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} [الحج:١٩ - ٢٠].

فما لباسهم؟ {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج:١٩] قال إبراهيم التيمي رحمه الله: [سبحان الله الذي خلق من النار ثياباً قطعت لهم].

فما ظلهم الذي يستظلون به؟ {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ} [المرسلات:٣٠] دخانٌ كثيفٌ جداً ينقسم من ضخامته إلى ثلاثة أقسام: {لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} [المرسلات:٣١] هل يظلهم؟ إنه لا يظلهم: {لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} [المرسلات:٣١].

إنها جهنم: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} [المرسلات:٣٢] شررها فقط وليس لهيبها، شررها كالقصور والحصون الضخمة: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [المرسلات:٣٣] أو كأنه إبل سود عظيمة.

فإذا تسلقوا جهنم ليخرجوا منها كيف يعادون فيها؟ {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [الحج:٢١] مطارق تضربهم بها الملائكة، فيعودون يقعون في جهنم.

كيف يسحبون فيها؟ {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} [القمر:٤٨] {إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ} [غافر:٧١] {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالاً وَسَعِيراً} [الإنسان:٤] {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:٣٠ - ٣٢].

كيف صورهم؟ وما هي خلقتهم؟ إن الله يغير خلقة أهل النار بشكل يتناسب مع عذابهم، حتى يشتد ويعظم ويشمل البدن العظيم من بدن هذا العاصي، وهذا الكافر.

روى الإمام أحمد عن زيد بن أرقم مرفوعاً إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام- وهو حديث صحيح- (إن الرجل من أهل النار ليعظم للنار- يضخمه الله ويكبره- حتى يكون الضرس من أضراسه كـ أحد - مثل: جبل أحد) هذا ضرسٌ واحدٌ من أضراسه.

وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي والحاكم عن أبي هريرة بإسناد صحيح: (وإن مجلسه من جهنم ما بين مكة والمدينة) المكان الذي يشغله من جهنم ما بين مكة والمدينة.

وقال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه الإمام أحمد والحاكم عن أبي هريرة: (ضرسُ الكافر يوم القيامة مثل: أحد، وعرض جلده سبعون ذراعاً، وعضده مثل: البيضاء) وهو جبل من جبال العرب، عضد الرجل في النار مثل: جبل من جبال العرب يسمى البيضاء (وفخذه مثل: ورقان) وهو جبل أسود على يمين المار من المدينة إلى مكة، هذا حجم ضرسه وفخذه وعضده وسمك جلده.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه فيما رواه ابن ماجة بإسناد حسن واصفاً عليه الصلاة والسلام بكاء أهل النار، يقول: (يرسل البكاء على أهل النار فيبكون، حتى تنقطع الدموع، ثم يبكون الدم بدلاً من الدموع، حتى يصير في وجوههم كهيئة الأخدود لو أرسلت فيها السفن لجرت) من عظم هذه الأخاديد المملوءة بالدم بعدما انقطعت الدموع.

هل يموتون؟ هل يستريحون من عذابهم {لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} [طه:٧٤] {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} [إبراهيم:١٧] {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} [فاطر:٣٦] {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:٧٧] ليمتنا ربك فنستريح {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:٧٧].