ومن أشهر الأشياء: صموده في وجه الطغيان، الإمام أحمد رحمه الله الشيء الذي فعله في وجه الطغيان ليس بالأمر السهل.
قال صالح: قال أبي: لما جيء بالسياط نظر إليها المعتصم، فقال: ائتوني بغيرها -هاتوا أشد منها- ثم قال للجلادين: تقدموا، فجعل يتقدم إلي الرجل منهم فيضربني سوطين، فيقول له: شد قطع الله يدك، ثم يتنحى ويتقدم آخر فيضربني سوطين، وهو يقول في كل ذلك: شد قطع الله يدك، فلما ضربت سبعة عشر سوطاً قام إليَّ المعتصم، فقال: يا أحمد! علام تقتل نفسك؟ انظروا الآن الفتنة عن الدين كيف تكون بالترهيب والترغيب، أول شيء حملوه فرفض، سجنوه رفض، ضربوه، ثم قال له المعتصم: لماذا تقتل نفسك؟ واحد يقول: شد قطع الله يدك، ثم يأتي ويقول: لماذا تقتل نفسك؟ إني والله عليك لشفيق، وجعل عجيف -وهو رجل من أعوان الظلمة- ينخسني بسيفه، وقال: أتريد أن تغلب هؤلاء كلهم؟ في وجود المعتصم وأعوانه وجنوده وعساكره وأحمد بن أبي دؤاد ومن معه من المعتزلة يناظرون الإمام أحمد وهو يرد عليهم، وجعل بعضهم يقول: ويلك! إمامك على رأسك قائم يقصد الخليفة، وقال بعضهم: يا أمير المؤمنين! اقتله ودمه في عنقي، وجعلوا يقولون: يا أمير المؤمنين! أنت صائم وأنت في الشمس قائم أرح نفسك منه، فقال لي: ويحك يا أحمد ما تقول؟ فأقول: أعطوني شيئاً من كتاب الله أو سنة رسوله أقول به، فرجع فجلس، ثم قال للجلاد: تقدم وأوجع قطع الله يدك، ثم قام الثانية وجعل يقول: ويحك يا أحمد أجبني، فجعلوا يقبلون عليه ويقولون: يا أحمد إمامك على رأسك قائم، وجعل أحدهم يقول: من صنع من أصحابك في هذا الأمر ما تصنع؟! حتى يخذلونه، يقولون: من الذي من أصحابك وقف مثل موقفك؟! لا أحد وقف فلماذا أنت تقف؟ والمعتصم يقول: أجبني إلى شيءٍ لك فيه أدنى فرج حتى أطلق عنك بيدي، ثم رجع وقال للجلاد: تقدم، فجعل يضربني سوطين ويتنحى، وهو في خلال ذلك يقول: شد قطع الله يدك، فذهب عقلي، ثم أفقت بعد ذلك، فإذا الأقياد قد أطلقت عني، فقال لي رجل ممن حضر: كببناك على وجهك، وطرحنا على ظهرك بارية -يعني حصيراً- ودسناك، قال أبي: فما شعرت بذلك -لأنه كان قد أغمي عليه- وكاد أن يموت من هذا الدوس على جسده، ولكن الله أنجاه.
فإذاً تعرض الإمام أحمد أيها الإخوة لشتى أنواع الطغيان، ضرب، جلد، حبس، داسوه، سبوه، لعنوه، شتموه، جمعوا عليه الأجناد والحراس، حتى في منظر قال: لما دخلت قصر المعتصم رأيت أجناداً قد أشهروا السلاح ما رأيتهم من قبل، ولكن مع ذلك صمد صموداً ما صمده أحدٌ ولذلك صار إمام أهل السنة، واستحقها بلا منازع.