للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سوء خاتمة عضد الدولة]

وقد حدثتنا كتب التاريخ الإسلامية عن نماذج من الطواغيت، وماذا فعل الله بهم بعد تجبرهم، ومن ذلك الذي كان يسمى بـ عضد الدولة، ذكر ابن كثير رحمه الله قصته في البداية والنهاية: خرج مرة إلى بستان له، فقال: أود لو جاء المطر، فنزل المطر -والله يمهل، وكانت فتنة لهذا الرجل- فنزل المطر، فأنشأ يقول:

ليس شرب الراح إلا في المطر وغناءٌ من جوار في السحر

غانيات سالبات للنهى ناعماتٌ في تضاعيف الوتر

غناء ووتر وأوتار وأغاني.

راقصات زاهرت مجلٌ رافلات في أفانين الحبر

مطربات غنجاتٌ لحنٌ رافضات الهم آمال الفكر

مبرزات الكأس من مطلعها مسقيات الخمر من فاق البشر

عضد الدولة وابن ركنها مالك الأملاك غلاب القدر

سهل الله إليه نصرهم في ملوك الأرض ما دام القمر

وأراه الخير في أولاده ولباس الملك فيهم بل غرر

قال ابن كثير رحمه الله: قبحه الله وقبح شعره وقبح أولاده، فإنه اجترأ في أبياته هذه، فلم يفلح بعدها، فيقال: إن بدأ أخذه كان حين قوله: غلاب القدر، أخذه الله فأهلكه، فتمثل عند موته بأبيات، وانظروا الفرق بين هذه الأبيات والتي قبلها، وفيها كلمة الرمق وهو التراب العالق في الماء:

تمتع من الدنيا فإنك لا تبقى وخذ صفوها ما إن صفت ودع الرمقا

ولا تأمنن الدهر إني أمنته فلم يبقِ لي حالاً ولم يرع لي حقا

قتلت صناديد الرجال فلم أدع عدواً ولم أمهل على ظنه خلقا

وأخليت دور الملك من كل بازلٍ وشتتهم غرباً ومزقتهم شرقا

فلما بلغت النجم عزاً ورفعةً ودانت رقاب الخلق أجمع لي رقاً

رماني الردى سهماً فأخمد جمرتي فهاأنا ذا في حفرتي عاجلاً ملقى

فأفسدت دنياي وديني سفاهةً فمن ذا الذي مني بمصرعه أشقى

فيا ليت شعري بعد موتي ما أرى إلى رحمة الله أم ناره ألقى

فهكذا حصل من هذا الذي قال عن نفسه: مالك الأملاك غلاب القدر، قال: فهاأنا ذا في حفرتي عاجلاً ملقى، وجعل يكرر هذه الأبيات، ثم جعل يكرر قوله تعالى: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:٢٨ - ٢٩] {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:٢٨ - ٢٩] حتى مات.

وهكذا كان لأصحاب السلطان وقفات عند الموت كما حصل لبعض الخلفاء لما احتضر، سمع غسالاً يغسل الثياب، فقال: ما هذا؟ قالوا: غسال، قال: يا ليتني كنت غسالا ً أكسب ما أعيش به يوماً بيوم ولم ألِ الخلافة، ثم قال:

لعمري لقد عمرت في الملك برهةً ودانت لي الدنيا بوقع البواسلِ

وأعطيت حمر المال والحكم والنهى ولي سلمت كل الملوك الجبابرِ

فأضحى الذي قد كان مما يسرني كحل مضى في مزمنات الغوابرِ

فيا ليتني لم أعنِ بالملك ليلةً ولم أسع في لذات عيش النواظرِ

وقيل لبعض هؤلاء من أصحاب السلطان في مرض الموت: كيف تجدك؟ قال: أجدني كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [الأنعام:٩٤].