الإخلاص يقلب العادات إلى عبادات؛ فربما يكون هنا عملٌ صورته واحدة ولكن أجر العاملين به يختلف، فمثلاً الزواج، الذي يتزوج للاستمتاع بالمباح مكانته عند الله غير الذي يتزوج ليعف نفسه، وهناك من ينوي بالزواج إضافةً إلى ذلك إعفاف زوجته، وهناك من ينوي إضافةً إلى ذلك ابتغاء الولد الذي يكثر به هذه الأمة، وهناك من ينوي بالإضافة إلى ذلك الإنفاق على زوجته وأولاده، وهذا الإنفاق في سبيل الله، وهؤلاء أجرهم ليس سواء، فهذا تزوج، وهذا تزوج، وهذا تزوج، وكلهم فعلوا نفس الشيء والزواج صورته واحدة ولكن سبب تفاوت الأجر هي النية النابعة من الإخلاص.
كذلك من الناس من يغتسل تنظفاً وإزالةً للأقذار والأوساخ، ومنهم من يغتسل تبرداً بسبب الحر، ومن الناس من يغتسل مداواة؛ فقد يكون به حمى شديدة، ولكن من الناس من يغتسل للجمعة، فالذي يغتسل للجمعة له أجرٌ أكبر؛ لأنه نوى بغسله الجمعة أو إتيان المسجد وهو نظيف لكي لا يؤذي المسلمين، أو غسل الجنابة ونحو ذلك، فمادام أنه نوى قربة وطاعة بهذا الغسل فتحولت عادته إلى عبادة يؤجر عليها.
وبعض الناس يظن أن النية في الفعل فقط، يعني: يتزوج ويغتسل، لكن النية لها أثر كبير في الترك كما أن لها أثر في الفعل فمن الناس من يترك الطعام حميةً حتى لا يصيبه مرض، ومن الناس من يترك الطعام تداوياً حتى يشفى من مرض واقع فيه، ومن الناس من يترك الطعام بخلاً حتى على نفسه، ومن الناس من يترك الطعام لعدم ميله إليه وعدم تعلقه به، فهو لا يشتهيه، ومن الناس من يترك الطعام صياماً لرب العالمين، فهذا أكثر أجراً، فإذاً يحصل هنا الأجر على الترك كما يحصل الأجر على الفعل، بسبب بالنية.
ولما ينعدم الإخلاص وينقص، فإن صاحبه ينتكس انتكاسات كبيرة جداً، فقد يأتي أناس يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء يجعلها الله هباءً منثوراً، ذلك بأنهم كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، وهؤلاء عديمي الإخلاص.