ومن الأسباب العجيبة ولله عز وجل في خلقه شئون وحكم، حصل أن بعض الأمراء الذين استوطنوا دمشق في القرن الماضي -التاسع عشر- منذ مدة قريبة، كان ذا سلطان ومال، جعل يجمع مؤلفات ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ويحرقها؛ لأنه كان فيه عداوة لـ ابن تيمية وابن القيم، فكان يجمع مؤلفات ابن تيمية وابن القيم ويحرقها، وابن تيمية وابن القيم في دمشق، فحصل من هذا الرجل أن بلغ به من العداوة والبغض لأولياء الله أن يأتي بالكتب ويحرقها ويشتريها بنقوده من مالكها، إذا رآها مخطوطة، اشتراها ليحرقها، فإذا لم يتمكن من إقناع المالك بحرقها اشتراها منه، وربما التمس وسائل أخرى لإتلافها بدافع الانتصار لمذهبه؛ لأن هذا الشخص كان من غلاة الصوفية، فاستخدم هذا الأمير سلطانه وماله في حرق كتب الذين تصدوا للصوفية، ومن أهمهم: ابن تيمية وابن القيم، ومع ذلك فإن الله قيض لهذا الإمام العظيم من ينشر كتبه في هذا الزمان، ومن قدر الله أن أعداء الإسلام لما غزو بلدان المسلمين اصطحبوا معهم بعد رجوعهم إلى بلدانهم كثيراً من المخطوطات؛ ولذلك تجد الآن مخطوطات لكتب ابن تيمية في لاهاي في هولندا، وتجد مخطوطات ابن القيم في ألمانيا وباريس وفي جامعة في أمريكا.
وهكذا، ولعلها حكمةٌ من الله أن يحفظها أولئك الكفرة حتى يأتي من يطبعها من أبناء المسلمين، وقضية أن يعدو أهل الباطل على كتب أهل الحق فيحرقوها، هذه قضية طويلة؛ ولذلك تجد بعض الطوائف الضالة التي حكمت بعض بلدان المسلمين في بعض الأزمان والأوقات، كانوا يأتون إلى المكتبات العامة، فيخرجون المخطوطات التي تتكلم عن طوائفهم، وتبين باطل هذه الطوائف، فيحرقون هذه الكتب، ولكن الله ناصر دينه.