للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سعة علم عمر رضي الله عنه]

لما أسلم عمر أعز الله به المسلمين وأذل الله به المشركين، وطاف المسلمون حول الكعبة لما أسلم عمر علانيةً جماعةً فأعز الله به الدين، أراد الله بـ عمر خيراً ففقه في دينه وعلمه وهو العليم سبحانه وتعالى، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في علم عمر وفقهه وفضله أحاديث جمعها العلماء، فمن ذلك أربعة ساقها الزهري في نسقٍ واحد، قد وردت في سياقات صحيحة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت لـ عمر أربعة رؤيا: رأيت كأني أُتيت بإناءٍ فيه لبن فشربت حتى رأيت الري يخرج من أناملي، ثم ناولت فضلي -ما بقي في الإناء- عمر، قالوا: يا رسول الله! فما أولت ذلك؟ قال: العلم، ورأيت كأن أمتي عليهم القمص إلى الثدي وإلى الركب وإلى الكعبين ومرَّ عمر يسحب قميصاً سابغاً من طوله، قالوا: يا رسول الله! ما أولت ذلك؟ قال: الدين، قال: ودخلت الجنة، فرأيت فيها قصراً أو داراً، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لرجلٍ من قريش، فرجوت أن أكون أنا هو، فقيل: لـ عمر بن الخطاب، فأردت أن أدخل فذكرت غيرتك يا أبا حفص! فبكى عمر، وقال: يا رسول الله! أويغار عليك؟ ورأيت كأني وردت بئراً، فورد ابن أبي قحافة فنزع ذنوباً أو ذنوبين ونزعه فيه ضعف والله يغفر له، ثم وردها عمر، فاستحالت غرباً فاستقى، فأروى الظمأة وضرب الناس بعطن، فلم أر عبقرياً نزع كنزعه) قال العلماء: هذا تأويل خلافة الشيخين، فإن أبا بكر استخلف سنة أو سنتين، فكانت خلافته قصيرة، وكان منشغلاً عن الفتوحات بحروب الردة، فلما جاء عمر صارت خلافته أطول، ففتح الله في عهده من الفتوحات، وأدخل الله من الناس في عهده في الإسلام ما لا يحصى من الخلق كثرةً، فنشر العدل في تلكم البلاد بعد أن أسس الصديق قاعدتها، فأعاد القاعدة وأبلى بلاءً حسناً، فمهد الطريق لـ عمر، فجاء عمر فولى الولاة وفتح الفتوحات، وأتى للمسلمين بالخير من عند الله.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل جعل الحق على قلب عمر ولسانه) هذا الهادي المهدي، الذي علمه الله، وهداه، وبالعلم يهتدي الإنسان للحق والصواب، فلابد من الاعتناء بالعلم والبحث عنه -يا أيها المسلمون! - وإن في اكتساب العلم هدىً، وإن العلم يهدي صاحبه في الظلمات، ويكشف له عندما يحتار، ويوقظه من المحرمات، ويجنبه الشبهات، فتعلموا هذا الدين يهديكم به الله.

فلما جعل الله الحق على لسان عمر وقلبه، وافق ربه في آياتٍ نزلت من القرآن على ما قال عمر، فيما ثبت في الصحيحين: [وافقت ربي في ثلاث: قلت: يا رسول الله! لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى -نصلي وراءه- فنزلت: ((وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً)) [البقرة:١٢٥] وقلت: يا رسول الله! يدخل على نسائك البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة، حصل منهن كلام اشتدت وطأته على النبي صلى الله عليه وسلم، -يقول عمر - فقلت وهو يعظ أمهات المؤمنين ويزجرهن: ((عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ)) [التحريم:٥] فنزلت كذلك].

تأملوا يا عباد الله: آية تنزل على كلام عمر، يلهم الله عمر أن يقول كلاماً، فتنزل الآية بألفاظ عمر وتصبح قرآناً يتلى إلى يوم القيامة، وافق عمر ربه بأمور أخرى كذلك كما ورد في أسارى بدر وهكذا.