[استنباط ابن هبيرة في قوله تعالى:(قلت ما شاء الله)]
وكذلك قال في قوله تعالى:{وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ}[الكهف:٣٩]: ما شاء الله ماذا؟ الأصل أن يقال: ما شاء الله كان، أو ما شاء الله يكون، أو ما شاء الله سيكون، لكن قال:{مَا شَاءَ اللَّهُ}[الكهف:٣٩] فقط، لم يقل: ما شاء الله كان، أو ما شاء الله يكون، أو ما شاء الله سيكون، قال: أطلق اللفظ ليعم الماضي والحاضر والمستقبل.
فهذا من فقهه رحمه الله في هذه الآية، {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ}[الكهف:٣٩] ماذا يعني ما شاء الله؟ أي: ما شاء الله كان، أو ما شاء الله يكون، أو ما شاء الله سيكون.
قال: وتدبرتُ قوله تعالى: {لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}[الكهف:٣٩] تكملة لقوله تعالى: {مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}[الكهف:٣٩] فرأيت لها ثلاثة أوجه: أحدها: أن قائلها يتبرأ من حوله وقوته ويسلِّم الأمر إلى مالكه.
والثاني: أنه يعلم أنه لا قوة للمخلوقين إلا بالله، فلا يخاف منهم إذ قواهم لا تكون إلا بالله، وذلك يوجب الخوف من الله وحده.
فإذا علمتَ أنتَ أن هذا المخلوق مهما بلغ من السلطان والقوة والهيمنة والبطش لا قوة له إلا من الله، فإذا خفت من الله، كفاك هذا المخلوق، ولا تحتاج أن تخاف من المخلوق.
والثالث: أنه ردٌ على الفلاسفة والطبائعيين الذين يدَّعون القوى في الأشياء بطبعها، فإن هذه الكلمة بيَّنت أن القوة لا تكون إلا بالله، وأن القوة ليست شيئاً موجوداً في هذا الشخص القوي، أو الحيوان القوي، أو الحديد القوي بذاته، وأنه أوجدها فيه بنفسه، إنما هو شيء موجود من الله، هو الذي خلق القوة في هذا الشيء، فهذا الشخص ليس قوياً بذاته، ولا هو الذي اكتسب القوة وأودعها عنده، وإنما لولا الله ما كان هذا الشيء قوياً، فمصدر قوة الحديد وقوة الأسد وقوة الرجل صاحب البطش وصاحب البسطة في الجسد من الله، لولا الله ما كان هذا.
أما الفلاسفة والطبائعيون، فإنهم يقولون: إن هذه الأشياء قوية بطبعها بأصلها بوجودها هكذا قوية، ولا ينسبون القوة التي فيها إلى الله.