للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإسلام يغير ثمامة تغييراً كاملاً

لم تنته المسألة عند هذا، ونحن نريد أن نفحص عن عملية التغيير التي حدثت لهذا الرجل؛ لأن هذه عملية فيها عبرة؛ بها نكتشف الفرق بين إسلام العامة وكيف كان يسلم الصحابة، كان الواحد منهم إذا أسلم على عهد النبي عليه الصلاة كان إسلامه يعني أشياءً كثيرة يعني انقلاباً كاملاً وتحولاً جذرياً.

الرجل ذهب إلى مكة لأداء العمرة، حتى إذا كان ببطن مكة لبى، فقيل: إنه أول من دخل مكة بالتلبية، وقيل: إن قريشاً قالوا: أجترأت علينا؟ وأخذوه يريدون قتله، فقال قائل منهم: دعوه فإنكم تحتاجون إلى الطعام من اليمامة، واليمامة منطقة كانت تمون مكة بالقمح (الحنطة) فتركوه.

كما كانوا يريدون قتل أبي ذر الغفاري رضي الله عنه فقام العباس يدافع عنه ويقول: إن معبر قوافلكم على طريق قوم الرجل، وإن قتلتموه سيمنعون قوافلكم وينهبونها، فتحت ضغط العامل الاقتصادي يتراجع القوم عما كانوا يريدون، وإلى الآن والعامل الاقتصادي عامل له ضغط وتأثير.

لكنهم ما تركوه من جهة الاستهزاء، بل قالوا له: أصبوت؟ والصابئ هو الذي غير دينه، فأي شخص يغير دينه عن دين قومه تسميه العرب: الصابئ.

ولا حظوا كيف ينشئ الإسلام عزة في نفس المسلم إذا كان إسلامه صحيحاً! فلم يسكت لهم على هذه الكلمة وهم جماعة وهو واحد، بل قال: لا.

ولكن أسلمت مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولم يكتفِ بالرد عليهم فقط، بل دفعته العزة إلى أن يهدد بالتهديد التالي؛ يقول: ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم.

واليمامة منطقة زراعية كانت تصدر الحنطة إلى مكة، والآن فهم ثمامة بإسلامه أن الدين يتطلب منه أن يتخذ مواقف من الكفرة، مواقف فيها مفاصلة، وفيها إرغام لأعداء الله، ومقاطعة اقتصادية.

إنها كلمة خطيرة! ولكنه قالها، فلم يكن إسلامه إسلاماً بارداً، ولا إسلاماً من يحبون الأعداء، ويتآلفون مع الأعداء، ويتأقلمون معهم، ويعيشون معهم في سلام وأمان لا.

بل كانت مواقف مواجهة؛ لأن طبيعة الدين طبيعة تغييرية، والإسلام يريد أن ينقض الكفر والجاهلية، ولا يمكن أن يتعايش مع الكفر، والذي يريد أن يحدث تعايشاً بين الإسلام والكفر مجنون، لأن طبيعة الدين تقتضي نسف الجاهلية، وتحطيم الأوثان، وإزالة المعبودات من دون الله، ونشر الإسلام: {حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال:٣٩] هذه هي طبيعة الدين، والآن يراد أن يكون الدين رقيقاً، دين سلام وعاطفة، ومحبة للجميع، ودائماً يقولون: الإسلام دين مسالم كيف هذا؟ هل هناك جهاد في الدين أم أنكم قد ألغيتم الجهاد؟ ويقولون: الإسلام ليس فيه إرهاب كيف ذلك؟ وفيه إرهاب لأعداء الله، والله يقول: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:٦٠] فإذا كنا لا نريد إرهاب أعداء الله، فمعناها أن الدين رخو، وناقص، وقد عطلنا هذه الشعيرة.

إذاً فالذي يقول: هذا دين سلمي، ولا يوجد فيه قتال ولا اعتداء على أحد فمعنى ذلك إلغاء الجهاد، وهذا ما يقصدونه إذا فسروا الجهاد على أنه اعتداء، فنعم فيه اعتداء، لكنه اعتداء بالحق، وهناك اعتداء بالباطل، كأن تذهب إلى كافر مسالم أو لا يحارب الدين، ولا يقف في طريق نشر الدين وتقتله وتستولي على ماله؛ فهذا خطأ، أما إذا وقفوا في طريق الدين ونشره فيقاتلون.

ماذا فعل الصحابة في الفتوحات؟ لقد عرضوا الإسلام على رستم، وعرضوا الإسلام على رسل قيصر وعلى قادة الفرس والروم، أي إذا دخلتم في الإسلام انتهت العداوة والبغضاء بيننا، على أن تخلّوا بيننا وبين شعوبكم ندعوهم إلى الإسلام ولا نقاتلكم، أما إذا منعتمونا فسنقاتلكم ونرهبكم ونعتدي عليكم.