والنظر إلى السامعين والحاضرين يبين لك أثر كلامك على الناس، واستعمال الكلمات التي فيها إشراك للحاضرين في الموضوع مثل: وقد تتعجبون، أو ربما لا تصدقون، أو تصور معي.
ونحو ذلك؛ إن مثل هذه الألفاظ مهمة في ربط السامع بالمتكلم، والنظر كما أسلفنا مهم، والعين تخاطب كما أن اللسان يخاطب، والنظر إلى الناس يتبين لك من خلاله إقبالهم أو إدبارهم، يقظتهم وانتباههم أم رقودهم وشرودهم، انجذابهم أو مللهم، فتغير الأسلوب أو تستمر، تقصر الكلام أو تستمر تبعاً للحالة الموجودة.
ولو كان الإنسان يقرأ من أوراق فلا بد من أن تكون هناك نظرات بين الحين والحين، صحيح أن الخطيب إذا نظر إلى الناس وكلهم ينظرون إليه يشعر بالرهبة والهيبة والرعشة ولكن يتجلد ويتصبر، فإذا اعتاد الأمر هان عليه.
ورد أن النبي عليه الصلاة والسلام كان ينظر إلى السماء أثناء الكلام، ولكن ليس هذا هو شأنه الدائم، بل قد بينا في الحديث أنه كان يقبل بوجهه على المتكلم، ولما أتى شخص من الناس كان فيه فجور وشر أقبل عليه بوجهه إقبالاً عجيباً، حتى تعجب أهل بيته من إقباله على هذا الرجل الذي فيه شر، لكن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتألفهم.
أما النظر في السماء فقد ورد في صحيح الإمام مسلم (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان كثيراً ما يرفع بصره إلى السماء) وروى أبو داود بإسناد ضعيف: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا جلس يتحدث ربما وقع بصره على السماء) لكن لو قال إنسان: ما هو الجمع بين حديث النهي عن رفع البصر إلى السماء، والتهديد بأن يحول الله رأس هذا الناظر رأس حمار، أو أن يخطف بصره، وبين هذا الحديث الذي رواه مسلم، فقد ذكر ابن حجر رحمه الله الجواب فقال: فحافل طريق الجمع أن النهي خاص بحالة الصلاة.