[العادة السرية وعلاجها]
السؤال
أنا شاب في العشرين من عمري وقد هداني الله إلى الطريق المستقيم فالحمد لله على ذلك، وقد كنت أفعل من قبل هذه العادة السيئة، ثم منَّ الله عليَّ وتركتها، وفي هذه الإجازة الصيفية عدت إليها، وكلما تبت وجزمت بعدم العودة لم أقدر وعدت إليها ثانيةً، مع العلم أني عملت بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم بالصيام، وحاولت الزواج ولم أستطع لظروفي؟ وهذا سؤال أيضاً يقول: أمنيتي في الحياة أن أتوب من عمل هذه العادة التي أصبحت مدمناً عليها، حتى أنني أتوب كثيراً وأعود إليها، مع أني أعبد الله وأذكره وإن كنت مقصراً.
والآن أريد الحل والطريق إلى التوبة النصوح التي ليس بعدها رجعة بأمثل السبل وأيسرها؟ وهذا سؤال يقول: كنت في الجاهلية أعمل فواحش ولما رأيت أحد الذين كنت معهم في هذه الفاحشة وما زلت أرافقه حتى كاد أن يوقعني في هذا الذنب، فتركته وذهبت لأعمل هذه العادة.
فما هو الحكم؟ وكيف أتخلص منها؟ هذه أسئلة كثيرة جداً عن موضوع: العادة السيئة؟
الجواب
وهذه حقيقةً مشكلة من المشاكل التي تحتاج إلى معالجة، واعلموا -أيها الإخوة- أن كل مشكلة لها علاجان: علاج علمي، وعلاج عملي: فالعلاج العلمي: أولاً: أن تعرف حكم هذه المسألة.
ثانياً: أن تعرف الأضرار المترتبة عليها.
فلو عرفت الحكم وعرفت الأضرار هذا جزء من الحل.
ثم العلاجات العملية التي يمكن أن تتخذ.
وأنا أجمل لهؤلاء السائلين شيئاً من هذين العلاجين: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كلامٍ له عن حكم الاستمناء، وهذا الكلام بعد الكلام على قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون:٥ - ٦]، واستنباط الإمام الشافعي رحمه الله ومن تبعه من أهل العلم: أنه لا يجوز استعمال هذه العادة؛ لأن الله تعالى أمر بحفظ الفرج إلا عن الزوجة وملك اليمين وهذا لم يحفظها لما وقع في هذه العادة.
فقال شيخ الإسلام رحمه الله وكذلك من أباح الاستمناء عند الضرورة: فالصبر عن الاستمناء أفضل فقد روي عن ابن عباس: [أن نكاح الإماء خيرٌ منه، وهو خير من الزنا] فإذا كان الصبر عن نكاح الإماء أفضل، فالحر لا يصح أن يتزوج أمة إلا إذا عجز تماماً فإذا كان الصبر عن نكاح الإماء أفضل فعن الاستمناء بطريق الأولى أفضل.
لا سيما وأن كثيراً من العلماء أو أكثرهم يجزمون بتحريمه مطلقاً؛ وهو أحد الأقوال في مذهب الإمام أحمد، واختاره ابن عقيل في المفردات، والمشهور عن أحمد أنه محرم إلا إذا خشي العنت، والثالث: أنه مكروه إلا إذا خشي العنت، فإذا كان الله قد قال في نكاح الإماء: {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [النساء:٢٥] ففيه أولى، الصبر في هذا، وذلك يدل على أن الصبر عن كليهما ممكن؛ لأن الله لا يأمر بالصبر عن شيء إلا إذا كان الصبر في طاقة البشر ويستطيعون أن يجاهدوا أنفسهم فيه.
فإذا كان قد أباح ما يمكن الصبر عنه فذلك لتسهيل التكليف.
كما قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً} [النساء:٢٨].
والاستمناء لا يباح عند أكثر العلماء سلفاً وخلفاً؛ سواء خشي العنت أو لم يخش ذلك.
وكلام ابن عباس وما روي عن أحمد فيه إنما هو لمن خشي العنت، والآن بعض الناس يقولون: ما هو العنت؟ لأن هذا مهم في معرفة حكم المسألة.
يقول شيخ الإسلام: لمن خشي العنت -وهو الزنا واللواط- خشية شديدة خاف على نفسه من الوقوع في ذلك، لأن بعض الناس يقول: أنا خشيت العنت، هو جالس في بيته ما عنده أحد يقول: أنا خشيت العنت، لا.
المقصود: أن الشخص يخشى أن يقع في الفاحشة خشيةً حقيقية ويكون سبيل الوصول إليها سهلاً جداً فهو يخشى على نفسه.
هذا الذي رخص بعض أهل العلم له الاستمناء، فأبيح له ذلك؛ لتكسير شدة عنته وشهوته.
ويقول شيخ الإسلام: وأما من فعل ذلك تلذذاً، أو تذكراً، أو عادةً، بأن يتذكر في حال استمنائه صورة كأنه يجامعها فهذا كله حرام لا يقول به أحد؛ لا أحمد ولا غيره، وقد أوجب فيه بعضهم الحد، والصبر عن هذا من الواجبات لا من المستحبات.
انتهى كلام شيخ الإسلام من فتاويه في المجلد العاشر.
ومن الأشياء المهمة في علاج هذه القضية: معالجة الأفكار والخواطر التي تطرأ في بال الإنسان، كل عمل اختياري يقوم به الإنسان هذا يأتي من الخواطر والأفكار، أي عمل تعمله الآن أول شيء يبدأ بالمرحلة الأولى وهو خاطرة تأتي في الذهن فإذا وقفت الخاطرة في الذهن وانشغل الذهن بها تتحول إلى فكرة؛ لأن الذهن بدأ يفكر فيها، ما طردها مباشرة بل بدأ يفكر فيها، ثم إن هذه الفكرة تتحول إلى تصور، يعني: تتصور المسألة الآن بشكل كامل في ذهنك، وهذا التصور ينشئ الإرادة؛ إرادة الفعل، وهذه الإرادة تتطور إلى عزيمة وهي الرغبة المشددة في الشيء، وهذه العزيمة تؤدي إلى الوقوع في الفعل، وإذا تكرر الوقوع في الفعل صار عادةً.
كلما عالجت الموضوع في مراحله الابتدائية كان أسهل في التخلص، وعدم الوقوع في الفعل، وكلما استمريت في هذه الخطوات يكون الحل أصعب، ولذلك لا بد للإنسان أن يعالج خواطره من البداية فيحرص على ألا يخطر بباله إلا الخير، وهذه الأعمال الحسنة التي نعملها هي عبارة عن لمة من الملك، والأعمال السيئة التي نعملها عبارة عن لمة من الشيطان فهي من الشيطان، فأي شيء خير تفعله دلك عليه الملك المرافق لك أو أوعز به إليك، وأي عمل شر تفعله فإن الشيطان قد أوعز به إليك كما ورد في الحديث الصحيح.
يقول ابن القيم رحمه الله: فإذا جعل العبد فكره في ربه أنه مطلع عليه، ناظر إليه، عليمٌ بخواطره وإراداته وهمه، فحينئذٍ يستحيي منه، ويجله أن يطلع منه على عورة يكره أن يطلع عليها مخلوق مثله.
إن كلام ابن القيم مهم جداً، يقول: هذه الأفكار الرديئة في ذهنك افرض أن شخصاً الآن يستطيع أن يقرأ ماذا يدور بأفكارك من هذه الخواطر السيئة.
ماذا تشعر أمامه؟ ستشعر بالخجل الشديد.
فإذا علمت أن الله مطلعٌ على أفكارك وخواطرك فكيف ينبغي أن يكون شعورك؟ هذا هو البداية: الحياء من الله عز وجل، وبقدر هذه المنزلة يبعد العبد عن الأوساخ والدناءات والخواطر الرديئة والأفكار الدنيئة، والخواطر والوساوس تؤدي إلى التفكير فيأخذ الفكر في التذكر، فيأخذه التذكر إلى الإرادة، فتأخذه الإرادة إلى الجوارح والعمل، وقد خلق الله النفس شبيهة بالرحى؛ الدائرة التي لا تسكن، ما هو الرحى؟ الطاحون الذي يطحنون فيه الحب، فالنفس البشرية شبيهة بهذا الطاحون.
فيقول ابن القيم في تشبيه جميل: وهذه النفس شبيهة بالرحى الدائرة التي لا تسكن ولا بد لها من شيء تطحنه، فإن وضع فيها حباً طحنته، وإن وضع فيها حصى طحنته، فمن الناس من تطحن رحاه حباً يخرج دقيقاً ينفع به نفسه وغيره وأكثرهم يطحن رملاً وحصىً وتبناً ونحوه فإذا جاء وقت العجن والخبز تبين له حقيقة عجينة.
الله أكبر! جماع هذه التفسيرات، وهذه التحليلات النفسية لعلمائنا في غاية الأهمية.
يقول: الإنسان حسب الخواطر التي فيه؛ إن كان يغلب على ذهنه خواطر الخير دائماً إيعازات الخير فهو على خير عظيم، وإن كان الغالب على فكره وخواطره أنها شر فحالته حالة شر حالة سيئة، ولذلك أنت تأمل حالة بعض الناس، لو قلت له الآن: بماذا تفكر؟ ما هي الأفكار؟ هذا الذهن الإنسان مسئول عنه عن الخواطر عن هذا الفكر عن هذا العقل، لو قلت لواحد الآن: أنت يومياً بماذا تفكر؟ فبعض الناس يقول لك: أنا نفسي تراودني بالفاحشة، وبالسرقة، وبالرشوة، وأنا أفكر بالكذب، وأنا أفكر في الشهوات، فتحصل أن عامة ما يفكر به من الخواطر هي أشياء سيئة، ولذلك هذا الرجل على شفا هلكة، وأحياناً تجد بعض الناس يفكر: كيف أدعو فلاناً من الناس؟ كيف أدخل إلى قلبه؟ يفكر في مسألة علمية في حكم شرعي يفكر في تربية نفسه وأهله في مشكلات أولاده، إذا كان هذا الذي يفكر به الإنسان من الخير والصلاح فإنه على خير عظيم.
يقول ابن القيم رحمه الله: ودفع الخواطر أسهل من إصلاح الأفكار وإلا أصبحت الخاطرة فكراً جوالاً، وإصلاح الأفكار أسهل من إصلاح الإيرادات، وإصلاح الإرادات أسهل من تدارك فساد العمل، وتدارك ذاك أسهل من قطع العوائق وهي قطع العادات، وإياك أن تمكن الشيطان من بيت أفكارك وإرادتك فإنه يفسدها عليك، فإنه يفسدها عليك فساداً يصعب تداركه، ومثل ذلك كمثل صاحب رحى يطحن فيها جيد الحبوب فأتاه شخص معه حمل تراب وبعر وفحم وغثاء ليلقيه في الطاحون؛ فإن طرده استمر في طحن ما ينفع، وإن مكنه أفسد الحب وخرج الطحين فاسداً.
يقول: إذا كنت تفكر في أفكار جيدة وجاءتك فكرة خبيثة إذا تركت الشيطان يلقيها في ذهنك وتفكر فيها صرت مثل صاحب الذي يطحن الحب فجاء واحد أثناء الطحن بغثاء وبعر وفحم وطين وألقاه في الطاحون فيفسد عليه الحب، فاجتهد في دفع الخواطر.
نعود الآن إلى المسألة: يقول الإنسان: كيف أتخلص الآن من هذه العادة السيئة؟ واضح من كلمة عادة أنها وصلت بالمرحلة الأخيرة، فالسؤال ليس كيف أدفع خاطرة عمل هذه العادة؟ السؤال: كيف أتخلص من العادة السيئة؟ معناها: أنها صارت عادة؛ صارت الآن في أسوأ مرحلة، فالآن تدارك الموضوع صعب لكن لو قلت لك: من البداية ابدأ أول ما تأتيك الخاطرة بعمل العادة، تعوذ بالله من الشيطان، وفكر بالأشياء النافعة، فإن غلبت نفسك الأمارة بالسوء وتحولت إلى فكرة فاجتهد في قراءة شيء تدفع به تلك الفكرة، أو سماع شيء، وإذا صارت عزيمة أو إرادة فاخرج من المكان وامش منه لتعمل عملاً مفيداً كالتبكير للصلاة في المسجد، أو زيارة أخ في الله، أو حضور درس مفيد لتقطع على نفسك الوقوع فإذا باشرت العمل وبدأت فيه فمراقبة الله تجعلك تقف ولا تس