قال فرقد: دخلنا على الحسن فقلنا: يا أبا سعيد! ألا يعجبك من محمد بن الأهتم؟! -أي: أما تستغرب من خبر محمد بن الأهتم؟! - قال: ما له؟ فقلنا: دخلنا عليه آنفاً وهو يجود بنفسه -يحتضر- فقال لنا: انظروا إلى ذاك الصندوق فيه ثمانون ألف دينار، أو قال: درهم، لم أؤد منها زكاةً، ولم أصل منها رحماً، ولم يأكل منها محتاج.
فقلنا: يا أبا عبد الله! فلمن كنت تجمعها؟! قال: لروعة الزمان، ومكاثرة الأقران، وجفوة السلطان -أخاف أن السلطان يغضب عليَّ، فلا يعطيني المقسوم، والأقران أكاثرهم بالمال، وأستعد لروعة الزمان، هذه القصة التي قيلت للحسن، فقال الحسن -معلقاً على ذلك، ولا يمكن أن يفوت مثله-: انظروا من أين أتاه شيطانه؛ خوَّفه روعة زمانه، ومكاثرة أقرانه، وجفوة سلطانه، ثم قال: أيها الوارث! لا تُخْدَعَنَّ -يقول الآن للوارث الذي ورث الثمانين ألفاً هذه من ذلك الرجل الشحيح البخيل المقصر- كما خُدِع صُوَيْحِبُك بالأمس، جاءك هذا المال، لم تتعب لك فيه يمين، ولم يعرق لك فيه جبين، جاءك ممن كان له جموعاً منوعاً، من باطل جمعه، من حق منعه، ثم قال الحسن: إن يوم القيامة لذو حسرات، الرجل يجمع المال، ثم يموت ويدعه لغيره، فيرزقه الله فيه -أي: في الوارث- الصلاح والإنفاق -في وجوه البر- فيجد -البخيل، المانع الحقوق- ماله في ميزان غيره فيتحسر -أي: يوم القيامة.
وقال الحسن:[قدم علينا بشر بن مروان، أخو الخليفة، وأمير المصريين، وأشب الناس، وأقام عندنا أربعين يوماً، ثم طعن في قدميه فمات، فأخرجناه إلى قبره -يقول الآن قصة فيها موعظة، انطباعه عن هذا المشهد ينقله إلينا- يقول: فلما صرنا إلى الجبَّان -المقبرة- إذ نحن بأربعة سودان يحملون صاحباً لهم إلى قبره -هذا جمع عظيم مع هذا الرجل المشهور، وذاك واحد مسكين معه أربعة سودان يحملونه إلى قبره، فوضعنا السرير عن الجنازة فصلينا عليه، ووضعوا صاحبهم فصلوا عليه -نحن في مكان وهم في مكان آخر في المقبرة- ثم حملنا بشر بن مروان إلى قبره، وحملوا صاحبهم إلى قبره، ودَفَنَّا بشراً، ودفنوا صاحبهم، ثم انصرفوا وانصرفنا، ثم التفتُ التفاتة فلم أعرف قبر بشر من قبر الحبشي، فلم أر شيئاً قط كان أعجب منه.
أي: بعدما تولينا كلنا من المقبرة نظرتُ ورائي فما عرفت أياً من القبرين الذي قبر فيه بشر بن مروان، فاعتبرها موعظة، أي: هذه مظاهر، لكن في النهاية صاروا في القبرين سواء، قبران متشابهان، كلاهما في القبر.
وقال رجل للحسن: إني أكره الموت، قال الحسن: [ذاك أنك ادخرت مالك، ولو قدَّمْتَه لسَرَّك أن تلحق به] لو أنفقتَه في سبيل الله لسَرَّك أن تلحق به.
ومن تعليمه لرجل في المباركة بالمولود: عن عوف قال: قال رجل في مجلس الحسن: لِيَهْنكَ الفارس، قال له الحسن: فلعله حامِر -ما يدريك أنه فارس! ربما يكون حَمَّاراً، يعني: في البلادة والغباء وعدم التدبير- إذا وهب الله لرجل ولداً فقل: شكرتَ الواهب، وبورك لك في الموهوب، وبلغ أشده، ورُزقت بره].