مراعاة نفسية الشخص إذا أهدى لك شيئاً فرددت الهدية لسبب من الأسباب: فلو أن شخصاً أهداك شيئاً ثم رددت الهدية لسبب من الأسباب، فإنه يتأثر بفعلك، إلا إذا كان هناك سبب شرعي لرد الهدية.
وفي الحديث الصحيح عن الصعب بن جثامة الليثي رضي الله عنه، أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً، وهو بـ الأبواء أو ودان، والرسول صلى الله عليه وسلم كان محرماً، والمحرم لا يجوز له أن يصيد وهو محرم، ولا أن يأكل صيداً قد صِيدَ لأجله.
والصحابي هذا لا يعرف الحكم، جاء واصطاد للرسول صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً -والحمار الوحشي يجوز أكل لحمه، لكن الحمار الأهلي الذي في المدن والذي يحملون عليه لا يجوز أكله، لكن الحمار الوحشي الذي يعيش في الصحراء أو في الغابات فإنه يجوز أكله- وجاء يهديه إليه، فتصور الموقف، رجل يهدي لآخر هدية، يقول له: تفضل هدية، لكنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصح أن يأكل منه، فماذا يجب عليه؟ أن يرده، ولو رده إلى صاحبه لتأثر، فماذا فعل عليه السلام؟ قال:(فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الصحابي: فلما أن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في قال: إنَّا لم نرده عليك إلا أنَّا حرم).
فالرسول صلى الله عليه وسلم بيَّن السبب، قال: يا فلان! لم نرده عليك أنك دون المقام، أو أن هديتك ليست في المستوى، لا، وإنما رددناه عليك لأنَّا في حالة إحرام، ولا يجوز لنا أن نأكل الصيد الذي صيد لأجلنا، فلما بين السبب ارتاح الصحابي واطمأن.
وذات مرة أهدى أحد الصحابة خميصة لها أعلام -نوع من الملابس فيه زينه- للنبي صلى الله عليه وسلم، فلبسه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قام للصلاة صار هذا الثوب يشغله في الصلاة، وهو لا يحب أن يشغله شيء عن الصلاة، فخلعها وقال:(اذهبوا بها إلى أبي جهم).
ولو ردها إلى الصحابي لتأثرت نفسيته وشعر بالحزن، فقال عليه الصلاة والسلام:(وأتوني بانبجانية أبي جهم)، قال: ردوا عليه هذه، لكن أحضروا لي من عنده نوعاً آخر من الملابس لا تشغل في الصلاة، فصارت واحدة بدل واحدة.
فلماذا قال: ردوها وأتوا لي بدلاً منها؟ حتى لا يحزن.