وقد روى أبو سعيد رضي الله عنه وأرضاه، قال: كنت في حلقة من الأنصار وإن بعضنا ليستتر ببعض من العري وقارئ لنا يقرأ علينا، وفي هذا أنهم كانوا يلتمسون حلق الفقراء، وكانت طريقتهم في الحلق أن قارئاً يقرأ وهم يستمعون، فلو أن ناساً اجتمعوا في حلقة، وقالوا: يا فلان! أنت أندانا صوتاً، وأجودنا تجويداً، فافتح المصحف واقرأ علينا، ففتح المصحف وقرأ عليهم، فهذه حلقة ذكر كاملة، تحفها الملائكة، وتغشاها الرحمة والسكينة، ولو ما فعل فيها إلا قراءة القرآن.
قال: كنت في حلقة من الأنصار، وإن بعضنا ليستتر ببعض من العري، وقارئٌ لنا يقرأ علينا، فنحن نسمع إلى كتاب الله عز وجل، وكان الصحابة رضوان الله عليهم إذا أرادوا سماع القرآن، أمروا أحدهم أن يقرأ والبقية يستمعون، إذاً حلقة الذكر ليست صعبة، بل هي قضية سهلة جداً، والمسألة لا تحتاج أكثر من همة جلوس، وسماع لواحد من الناس الذين يجلسون ويقرءون القرآن، ويحصل بذلك الأجر العظيم، ولا يشترط أن يكون فيهم طالب علم أو عالم.
فإذا عرفنا أن المسألة سهلة، فلماذا لا نطبقها؟ هب أن بعضنا من الجالسين ليس عنده علم، ولا هو صاحب علم، ولا درس على مشايخ، ولا حفظ متوناً، ولا مسائل فقهية، ولا درس مذهباً فقهياً، جمع أهل بيته، فقرأ أو قرأت زوجته، أو قرأ أحد أولاده القرآن؛ فهذه حلقة ذكر، ونحن نريد إحياء هذا الأمر في البيوت والمجالس والمساجد وجميع المحلات، من مصلحتنا إحياء ذلك خاصة في زمن الجهل الذي نعيش فيه، عندك ربع ساعة في مصلى العمل، بنات عندهن وقت في مصلى الكلية، طلاب عندهم وقت في مصلى الجامعة، المسألة سهلة جداً، إنشاء حلقة ذكر سهلة جداً، وهذه قضية لها أثر كبير على النفوس، وهذا نوعٌ من التربية الإيمانية، وباب عظيم من أبواب الأجر ينبغي أن لا يفوت أبداً، لقد كان عند السلف خشوعٌ في حلقهم، ولم تكن مجالس مراء وكلام يقسي القلوب.