لا بد يا إخواني! بادئ ذي بدء لا بد لكل واحد فينا يجلس في مجلس، أو يدعو الناس إلى مجلسه، أو يجيب دعوة الناس أن ينظر في حال من يجالس، إن انتقاء الجليس من الأمور الأساسية المهمة، ولذلك أخبر الله تعالى بأن رجلاً من أهل النار قد وقع في سوء العذاب بسبب قرينه:{يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً}[الفرقان:٢٧ - ٢٨] لماذا؟ {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً}[الفرقان:٢٩] لا نريد أن نأتي يوم القيامة -أيها الإخوة- ويتحسر الواحد منا، ويقول يوم لا تنفع الحسرة والندامة:{يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً}[الفرقان:٢٧ - ٢٨] يا ليتني ابتعدت عنه ونبذته، يا ليتني لم أقترب منه ولم أجلس معه لحظة واحدة، لقد كان سبباً في ضلالي وفي وقوعي في حبائل الشيطان، لقد كان يزين لي المنكر ويحثني عليه ويجعلني شريكاً معه في الإثم وعبادة الطاغوت.
ومدح الله رجلاً من أهل الجنة، وأخبر أن سبب نجاته أنه تخلص من حبائل صديقه وجليسه وخليله الفاسق أو الكافر في اللحظات الأخيرة، فقال الله تعالى حاكياً عن رجل من أهل الجنة قعد يبحث عن جليسه وصديقه الذي كان يخالله في فترة من الدنيا، فوجده في النهاية:{فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ}[الصافات:٥٥] اطلع هذا الرجل من الجنة فرأى صاحبه في سواء الجحيم؛ في وسط جهنم:{قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ}[الصافات:٥٦] لترديني معك فيها: {وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}[الصافات:٥٧] في هذا الحساب والعذاب.