ومن القواعد كذلك في الطلب أنه إذا استغلق عليك فهم علم، أجِّله حتى تتهيأ لك فرصة أخرى للفهم، فبعض الشباب مثلاً يريد أن يدرس النحو، فيبدأ بكتاب ويقرأ في شرحه، فيجد أنه لا يفهم في النحو ولا يجيده، ولم يفقه فيه، ما زال عنده التباس بين الفاعل والمفعول، وبين الحال والتمييز وهكذا من أنواع الأشياء وأقسامها.
فإذا ما وجد انطلاقة في البداية فإنه في هذه الحالة يؤجل دراسة هذا العلم فترة من الزمن لعله أن يلاقي أو يصادف انفراجاً في نفسه، وفرصة للإتيان عليه، كما يُحكى عن الخليل فيما ذكر الأصمعي أنه اجتمع بـ الخليل بن أحمد -رحمهما الله- وحرص على فهم علم العَروض من الخليل فأعياه ذلك، حاول وحاول، فما وجد فائدة، فقال له الخليل يوماً: قطِّع لي هذا البيت:
إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيعُ
لم يكن مقصود الخليل أن يقطِّع الطالب هذا البيت، لكن كان مقصوده هو المعنى الذي انطوى عليه البيت: وقد حصلت مثل هذه القصة مع العلامة محمد بن الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى- فإنه كان يدرس عليه بعض الطلاب علم النحو، وكان أحد هؤلاء الطلاب يدرس عليه النحو، ويحاول أن يفهم مع الشيخ لكن دون فائدة، فقال له الشيخ محمد الأمين -رحمه الله- أعرب هذا البيت:
إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيعُ
والفرق أنَّ الأصمعي فهم المقصود والطالب لم يفهم المقصود، فجلس يُعرب، ويحاول أن يُعرب، لكنه لم يفهم المقصود.