ثم جيء بالغلام، لماذا أخر الغلام يا ترى؟ لماذا لم يُقتل الغلام في البداية؟ لعل هذا الطاغية أراد أن يرى الغلام بعينيه مصرع الاثنين، مصرع الراهب ثم مصرع الجليس، لعله إذا رأى بعينيه مصرع اثنين أمامه وهو صغير فقد يتراجع، أليس كذلك؟ فلذلك أخر الغلام للنهاية، (ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك فأبى، فدفعه إلى نفرٍ من أصحابه)، وكلمة نفر: أي: جماعة من الناس، وهذه من الكلمات في اللغة العربية التي لا واحد لها إلا من لفظها، يعني: كلمة نفر جمع ليس لها مفرد.
إفهناك كلمات في اللغة العربية مفرد ليس لها جمع، أو جمع ليس له مفرد، هذه منها (فدفعه إلى نفرٍ من أصحابه)، هذا الملك دفع الغلام إلى نفرٍ -مجموعة من الجنود- من أصحابه، فقال:(اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا) سمى لهم جبلاً معيناً مرتفعاً (فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه) خذوه الآن إلى الجبل واصعدوا الجبل، في قمة الجبل اعرضوا عليه الرجوع فإن رجع عن دينه وإلا فألقوه من فوق الجبل.
إذاً: لماذا لم يُقتل الغلام بنفس الطريقة التي قتل بها من قبله؟ لماذا لم يُنشر الغلام بالمنشار وإنما أعطي إلى هؤلاء الجنود ليذهبوا به إلى الجبل ويطرحوه من فوق الجبل؟ الذي يفكر في هذه النقطة يجد أن هناك أسباباً: منها: أن هذا الغلام الآن بعدما صار يداوي الناس من الأمراض، صارت له شعبية كبيرة بين الناس، فإذاً ليس من مصلحة هذا الطاغية في هذه الحالة أن يُقتل الغلام هذه القتلة وإنما يكون هنا من المصلحة إن صحت تسميتها بهذا الاسم أن يُذهب به إلى مكان بعيد ويقتل قتلة يظن الناس أنها طبيعية، فقد ذهب يتمشى وانزلق من فوق الجبل ومات.
كذلك أن الطاغية أراد من هذا الغلام أن يكسبه إلى صفه، يريد أن يبقيه حتى آخر لحظة لعله يرجع؛ لأن الغلام عنده قدرات متميزة، ومن مصلحة هذا الطاغية أن يكسب هذا الرجل صاحب القدرات إلى صفه، فهو يريد أن يعطيه فرصة أكبر، اذهبوا به إلى جبل كذا ثم صعدوا به الجبل وهذا يأخذ وقتاً، ثم من فوق الجبل هددوه، لعله في طريق الذهاب وصعود الجبل في هذه الفترة قد يراجع نفسه، وقد يعود إلى ما يريده ذلك الكافر.
كذلك إذا نُشر الغلام بالمنشار فإن هذه قتلة سيستبشعها الناس لماذا؟ لأنه غلام صغير وينشر بالمنشار؟! هذه بشعة تثير الناس لذلك لا بد من إحضار وسيلة غير مستبشعة، تردى من جبل، سقط من جبل، كأنها تبدو بغير فعل فاعل، (ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك فأبى).
فالمهم أن هؤلاء الجنود أخذوه فذهبوا به وصعدوا به الجبل، فوقفوا الآن على قمة الجبل وهذا الغلام يُساوم على عقيدته قالوا له: ارجع عن دينك فما رجع عن دينه، فالآن سيطرحوه بالتأكيد أنهم سيلقوه، ماذا يملك هذا الغلام الأعزل؟ لا قوة جسدية فهو واحد أمام هذا الجمع من الناس لا يملك شيئاً، عندما يقف المؤمن أعزل أمام عدد من الكفرة الطغاة ماذا يملك؟ لا يملك إلا اللجوء إلى الله عز وجل.