وهكذا في أبواب الأسماء والصفات قام أهل السنة يردون ويناقشون، أحد علماء المسلمين وهو محدث مشهور اسمه عبد الرحمن بن مهدي سمع أن ولداً لأحد الكبراء يقول بعقيدة التجسيم والتشبيه، وأن الله يشبه المخلوقات- تعالى الله عن قولهم- فذهب وصلى معه، ثم ناداه بعدما تفرق الناس وخلا به، قال: يا بني هذه البلدة فيها أهواء وفيها اختلافات، وقد بلغني عنك أمرٌ، والأمر لا يزال هيناً ما لم يصل إليكم، فإذا وصل إليكم -أنتم أهل السلطان- فسوف تحملون الناس عليه بالقوة.
قال: وما ذاك يا أبا سعيد؟ قال: بلغني أنك تتكلم في الرب عز وجل وتصفه وتشبهه؛ تقول: يد الله مثل يد المخلوقين، ووجه الله مثل وجه المخلوقين.
قال: نعم.
قال: ولم؟ قال: لأننا نظرنا في المخلوقين فما وجدنا مخلوقاً أجمل ولا أحسن ولا أزكى من الإنسان، فقلنا: هو يشبه الإنسان.
قال: رويدك يا بني حتى نتكلم في المخلوق قبل أن نتكلم في الخالق، اجعلنا نتكلم في المخلوق، أخبرني عن حديثٍ حدثنيه شعبة عن الشيباني، قال: سمعت زراً قال: قال عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}[النجم:١٨] قال: رأى جبريل له ستمائة جناح -والحديث في صحيح البخاري - قال عبد الرحمن بن مهدي: يا بني صف لي خلقاً له ستمائة جناح حتى نشبه جبريل عليه! فكر وفكر فما وجد مثله، فما تكلم.
قال: يا بني إني أهون عليك الأمر وأضع عنك خمسمائة وسبعة وتسعين جناح، فأخبرني عن مخلوق له ثلاثة أجنحة، وقل لي: أين يركب الجناح الثالث؟ فسكت وقال: يا أبا سعيد نحن قد عجزنا عن صفة المخلوق ونحن عن صفة الخالق أعجز وأعجز، أشهدك أني رجعت وأستغفر الله.
فانظر كيف تقام الحجة وكيف يكون البيان، وهكذا حصل النقاش بين أهل السنة والجهمية والأشاعرة الذين اقتبسوا من المعتزلة قضية نفي علو الله على خلقه.