فمن الأشياء التي يستطاع أن يتغلب بها على هذا الأمر أمور كثيرة منها: قال ابن مسعود: [إذا أعجبت أحدكم امرأة، فليتذكر مناتنها] مناتنها: جمع منتن، المكان الذي يكون فيه النتن، والوسخ، والقذارة، إذا أعجبت أحدكم امرأة فليتذكر مناتنها، هذا التذكر للمناتن يساعد على التخلص من عشق هذه المرأة، ونفس القضية بالنسبة للمرأة مع الرجل، فتتذكر مناتنه، لأن كل مخلوق من البشر فيه مناتن؛ بول، وعذرة، وعرق، ورائحة كريهة، وبخرٌ يخرج من الفم من جراء هضم الطعام في المعدة، هذه المناتن والقبائح التي تكون في الشخص تذكرها يعين على الخلاص من هذه المشكلة.
ويضرب ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر مثلاً آخر لهذا الموضوع، فيقول: إن العقل يغيب عند استحلاء تناول المشتهى من الطعام عن التفكر في تقلبه في الفم وبلعه، الآن عندما يرى الإنسان طبقاً من الطعام جميل وشهي، ويسيل اللعاب عند رؤية هذا الطعام، الإنسان عندما يأكل الطعام في العادة هل يتذكر هذا الرجل صورة هذا الطعام وهذا اللحم المشوي، أو هذه الفاكهة اللذيذة، أو هذه الخضار الناضجة، هل يتذكر وهو يأكلها في الغالب كيف يكون في فمه وهو يطحن واللعاب يختلط به، وكيف ينزل إلى المعدة فتنزل عليه العصارات، فتشوه شكله بالكلية، إنك لو أكلت أشهى لقمة من لحم مشوي، فمضغتها في فمك، ثم أخرجتها من فمك لأي سبب كيف يكون شكلها؟ تأمل، كيف يكون شكل هذه اللقمة بعد إخراجها من فمك ومضغها.
إذاً تدبر مناتن من تتعلق بهم من الأمور المساعدة على صرف التعلق، وعلى صرف النظر عن هؤلاء الأشخاص؛ لأن لكل أشخاص قبائح، ولكن المشكلة أن كثيراً من الناس يفتنون بظاهر الشخص، لا يعرفون عيوبه الداخلية، فلو قدر لهم معرفة عيوبه الداخلية لما فتنوا به.
فيقول ابن القيم رحمه الله: والداخل في الشيء لا يرى عيوبه، والخارج منه الذي لم يدخل فيه لا يرى عيوبه، ولا يرى عيوبه إلا من دخل فيه ثم خرج منه -الذي يدخل في الشيء، لأن الذي هو داخل فيه لا يرى عيوبه، والشخص الخارج تماماً الذي ما دخل لا يرى عيوبه، من الذي يرى عيوبه؟ الذي دخل ثم خرج، ثم قال جملةً جميلةً- ولهذا كان الصحابة الذين دخلوا في الإسلام بعد الكفر خيراً من الذين ولدوا في الإسلام؛ لأنهم عرفوا حلاوة الإسلام لما كانوا في الجاهلية ثم خرجوا إلى الإسلام، فعرفوا بالمقارنة مناتن الجاهلية، وعرفوا حال الشقاء الذي كانوا يعيشونه، فكانت المقارنة، وانتقالهم من تلك الحال إلى هذه الحال من أكبر الأمور التي أعانتهم على التشبث بهذا الإسلام، ومعرفة حلاوته وذوقها، والعيش فيها بأحسن صورة وأجمل حال، وهذا الأمر ليس مطرداً طبعاً، لا يعني أن كل من ولد في الإسلام هو دون من كان في الجاهلية ثم انتقل إلى الإسلام، لكن من الأمور التي تعين على معرفة العيوب أن يكون الإنسان في الشيء ثم يخرج منه إلى الصورة الصحيحة، عند ذلك يعرف الأمر تماماً.