للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهل الصفة في المدينة]

كان من ضمن الأشياء التي حصلت في التكافل في المدينة أهل الصفة، فإن هؤلاء داخلون في عملية التكافل والأخوة، لكن دخولاً من نوع آخر، فقد قدم بعض المهاجرين وتكاثر قدومهم، وكثير منهم كانوا فقراء، مثل قوم أبي هريرة وغيرهم جاءوا فقراء محتاجين، كانوا يأتون أحياناً من قحط وشدة وجهد، وكان عليه الصلاة والسلام يرتب حلولاً لذلك، هذه هي الصعوبة، ترتيب الحلول لهؤلاء المحتاجين، ثم ليسوا واحداً أو اثنين، هم عشرات ومئات يأتون ولابد من إيجاد حلول، ولذلك خرجت فكرة الصفة.

لما حولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة بعد ستة عشر شهراً من الهجرة، بقي حائط القبلة الأولى في مؤخرة المسجد النبوي، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام به فظلل، حائط القبلة القديمة كان جهة بيت المقدس، فظلل أو سقف وأطلق عليه الصفة أو الظلة.

وهذا الصُفة صارت مخصصة للضيوف القادمين الذين لا مأوى لهم، وكانت تتسع لعدد لا بأس به، حتى إنه حضرها مرة ثلاثمائة شخص في وليمة، وأول من نزل الصفة هم المهاجرون، ولذلك نسبت إليهم، فقيل: صفة المهاجرين، وكذلك كان ينزل بها الغرباء من الوفود الذين كانوا يقدمون على النبي صلى الله عليه وسلم معلنين إسلامهم وطاعتهم، وكان إذا جاء الواحد ولم يجد أحداً ينزل عنده ينزل مع أصحاب الصفة، وكان من ضمن أصحاب الصفة أبو هريرة رضي الله عنه.

فأولاً نزل المهاجرون والغرباء، وكان بعض الأنصار بالرغم من أن لهم بيوتاً -مثل كعب بن مالك الأنصاري- يتركون بيوتهم وأهليهم ويبيتون مع أهل الصفة من باب المشاركة الوجدانية والشعور والإحساس، فهو يترك بيته وينزل بينهم.

وكان يؤتى بالقنو من التمر يعلق على حبل في المسجد لأهل الصفة، كل واحد عنده طعام زائد يأتي به إلى أهل الصفة، وكل واحد عنده تمر أو رطب أو شيء يأتي به إلى أهل الصفة، كانوا أخلاطاً من القبائل، وكانوا يزيدون إذا قدمت الوفود إلى المدينة، وكان ربما يصل عددهم إلى سبعين أو ثمانين أكثر أو أقل وهكذا.

وكان هؤلاء عندهم فرصة للتفرغ للعلم والعبادة، حيث إن معيشتهم في المسجد، وكانوا في خلوتهم يصلون ويقرءون القرآن، ويتدارسون آيات الله تعالى، ويتعلم بعضهم الكتابة، واشتهر بعضهم بالعلم مثل أبي هريرة، فـ أبو هريرة هو ناتج من نتاج الصفة؛ لأنه ما كان عنده أهل أو أولاد أو بيت أو شغل أبداً، نازل في الصفة يصحب النبي عليه الصلاة والسلام على شبع بطنه فقط، ولكن همته ونهمته سماع الأحاديث، ولذلك صار هو أكثر صحابي روى أحاديث، مع أنه جاء في العام الثامن للهجرة، ومع ذلك له مرويات تقدر بخمسة آلاف حديث.