للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب اختيار الحديث عن سعد بن معاذ]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على الصراط المستقيم، ليله كنهاره، لا يزيغ عنه إلا هالك، فصلاة ربي وسلامه عليه إلى يوم الدين.

أيها الإخوة: إن لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً عظيماً علينا، فهم أبر هذه الأمة نفوساً، وألينها قلوباً وأرقها، حملوا لواء الدعوة والجهاد حتى انتشر الإسلام في الأرض، وبنوا تلك القاعدة العظيمة للإسلام والمسلمين في أرجاء العالم، وهم المشكاة التي انبثق منها نور الهدى، وهم القدوة الذين نقلوا إلينا حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم نقلوا إلينا أحاديثه، فكل حديث نسمعه فنحن مدينون فيه لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناً عظيماً، لأنهم هم الرواة العدول الذين نقلوا لنا هذه الأحاديث، فلو لم ينقلوها فعمن كان سنعرف سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟ رضي الله عنهم وأرضاهم، تلك الصفوة المختارة من عباد الله، التي خصها الله تعالى بتلك الأفضلية العظيمة التي لو أنفق أحدنا مثل أحد ذهباً ما بلغ ملء كف أحدهم أو نصيفه؛ لأن الله تعالى قد خصهم بهذه العناية العظيمة، واصطفاهم ليكونوا جند رسوله صلى الله عليه وسلم، يسيرون معه على الحق، ويطبقونه ويتخذونه ويعتمدونه شرعةً ومنهاجاً.

ولهذا كان لا بد من العناية بدراسة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم هم القدوة التي تحتذى، وهم الذين ينيرون لنا الدرب في ظلام الجاهلية، وهم الذين إذا اقتدينا بهم فنصل إلى الفوز بجنات النعيم، ونحن اليوم مع موعد مع صحابي جليل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذلكم الرجل الفذ الذي هو سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه، ولا أخفي عليكم أيها الإخوة فقد تتساءلون: ما الذي دفعني لاختيار حياة هذا الرجل لعرضها في مثل هذا المقام؟ والحقيقة أن السبب كان حديثاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، شيءٌ إذا دققت النظر فيه لاندهشت جداً، ولذهلت تماماً وأنت تتأمل في ذلك الحديث، إنه الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ)، وقال عن سعد بن معاذ: (هو الذي اهتز له عرش الرحمن سبحانه وتعالى) فإذا علمنا أن السماوات السبع، والأرضين السبع بالنسبة للكرسي -وليس للعرش- مثل الحلقة التي ألقيت في صحراء من الأرض، هذه السماوات كلها بنجومها وأفلاكها، والسبع الطباق، وما فيها من المخلوقات، وهذه الأرضين السبع كلها بالنسبة للكرسي مثل حلقة من حديد ألقيت في فلاة، وفضل العرش على الكرسي، نسبة العرش إلى الكرسي كنسبة الفلاة إلى تلك الحلقة.

تأمل هذا المخلوق العظيم من مخلوقات الله عز وجل، هذا العرش العظيم الذي هذه صفته ونسبته اهتز لوفاة رجل من الناس إنه سعد بن معاذ، فلماذا اهتز العرش لوفاة سعد بن معاذ؟ هذا ما سنحاول الإجابة على شيء منه بعون الله وتوفيقه.